مقال

الدكروري يكتب عن الحياة فانية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحياة فانية

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

إن توحيد الله عز وجل، بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتأليهه، وإفراده بكامل العبودية والتقديس، كل ذلك جزء من عقيدة المسلم، وفي طليعة ما يجب أن يعنى به، وإن الحياة الدنيا هى القنطرة للدار الآخرة، وهى الوسيلة للغاية النبيلة، فإن الحياة فانية وعمر الإنسان مهما طال فهو قصير، فقد حدث في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان أميرا للمؤمنين، فقد قتل رجل رجلا واعترف بجُرمه وإن الإعتراف سيد الأدلة، وقدّم للمحاكمة، والقانون الإلهي وهو “من قتل يُقتل” فلما تأكد أنه مقتول لا محالة قدّم التماسا لأمير المؤمنين، قال “يا أمير المؤمنين، إن لي صبية صغار، ولي مال قد استودعته لا يعلم مكانه أحد غيري، فإذا مت ولم أخبرهم به لم يعرفوه، فأذن لي أن أذهب إليه لأعلمهم بموضع المال ثم أرجع إليك لتنفيذ عقوبة الله عز وجل.

 

فقال عمر رضي الله عنه ومن يضمنك؟ فتفرّس في وجوه الحاضرين، وكان من أهل البادية ولا يعرف منهم أحدا، ثم نظر إلى أبي ذر رضي الله عنه وقال هذا يضمنني، فقال عمر رضي الله عنه لأبي ذر، هل تضمنه؟ قال نعم، قال على أنه إذا لم يعد تقتل مكانه، قال على أنه إذا لم يعد أقتل مكانه، فقال يا رجل، كم يكفيك؟ قال ثلاثة أيام، فأجّل إقامة الحد إلى أن يعود هذا الرجل بعد ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث وبعد أذان العصر والقوم مجتمعون لإقامة الحد، والرجل لم يصل بعد، وأصبح الناس مشفقين على أبي ذر لأنه ضمن هذا الرجل ولا يعرفه، وإذا بهم يرون أسودة قادمة من بعيد وحولها غبار، فقالوا، انتظروا لعله يكون الرجل، فإذا بهم يجدون الرجل يأتي مسرعا ليوفى بعهده الذي عاهد عليه المؤمنين وأمير المؤمنين، فتعجّب القوم لأنه كان قد نجا من القتل.

 

وقال له عمر بن الخطاب لِم رجعت بعد أن نجوت من القتل؟ فقال الرجل حتى لا يقال لقد ضاع الوفاء بين الناس، فكان هذا الرجل حريص على أن يظل بين الناس خُلق الوفاء، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأبي ذر، ولم ضمنته ولم تعرفه؟ قال أبى ذر حتى لا يقال لقد ضاعت المروءة بين الناس وهذا أيضا حريص على أن تكون المروءة مستمرة في مجتمع المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأهل القتيل ماذا تريدان؟ فقال أهل القتيل عفونا عنه يا أمير المؤمنين حتى لا يقال لقد ضاع العفو العفو بين الناس، فكان المجتمع هو الذي يحرص على هذه القيم الإلهية، وهذه الأخلاق القرآنية كان الرجل ينتفض إذا وجد شابّا يُسيئ إلى أبيه، أو يُسيئ إلى أمه ولو كان ليس بينه وبيهم قرابة، لأنه لا يريد أن تسري هذه البلية إلى غيره من الشباب.

 

فتعم البلية كما عمّت في مجتمعنا الآن، وكان الرجل يقوم ثائرا إذا وجد ماشية لأحد جيرانه ترعى في حقل أحد آخر، ويعنفه ويوبخه ويؤنبه، لأنه كيف أباح لنفسه أن ترعى ماشيته في حقول جيرانه، مع أن آباءنا رحمة الله عليهم أجمعين كانوا يضعون الكمامة على أفواه الماشية وهي سارحة حتى لا تتناول شيئا في طريقها، فإذا أطعمها في حقلها، رد عليها الكمامة حتى ترجع إلى بيتها، لأنهم كانوا أحرص ما يكونون على اللقمة الحلال، فبها نعمة الأمن في الدنيا، وبها إجابة الدعاء وتحقيق الرجاء في الدار الآخرة، وكان الناس من قبل أنفسهم، لا يطلبون من أحد أن يتدخل، وإنما يتدخلون من ذوات أنفسهم إذا وجدوا فيما بينهم رجلين تخاصما، تجد الكل يسعى للإصلاح بينهم، لا يقول لِم أسعى ولم ينتدبني أحد؟ بل الكل ينتدب نفسه بنفسه.

 

لأنهم سمعوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول ” ألا أدلكم على ما هو خير لكم من الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين، ألا إن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين” وكان الناس إذا رأى أحدهم رجلا، يريد أن يهضم أخواته البنات من حقهم في الميراث، هذا يلومه، وهذا يذكره، وهذا يؤنبه، وكلهم حريصون عليه ويحرصون على أن تظل قيم الإسلام موجودة، لأنه إذا فقدت قيم الإسلام كان المجتمع كأنه غابة فيها نفر من اللئام، ينتشر فيها الظلم، وينتشر فيها الكذب، وينتشر فيها الخداع، وينتشر فيها قول الزور، وغيرها من الأخلاق التي نراها الآن، ولا رجوع عنها إلا برجوعنا إلى قيم الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى