مقال

الدكروري يكتب ولا تلمزوا أنفسكم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب ولا تلمزوا أنفسكم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات الكريمة التي تؤسس لمكارم الأخلاق، والقيم الراقية ، بل إن هناك سورا كاملة جاءت مؤسسة لمجتمع إنساني راقى، كسورة الحجرات التي أرست مجموعة من القيم والأخلاق، منها التبين والتثبت في الأمور كلها ، وخاصة إذا كان هذا الأمر يتعلق بشئون الناس، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” فالإسلام يبني كل شيء على اليقين، فهذا نبى الله سليمان عليه السلام حينما جاءه الهدهد بخبر الذين يعبدون الشمس من دون الله، ووصفه بالنبأ اليقين، لم يأخذ كلامه مُسلما وإنما تثبت، وتبين كما حكى القرآن ذلك على لسانه، فقال الله تعالى ” قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين” ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ” كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع” وقال النووى رحمه الله.

 

فإنه سمع فى العاده الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما يسمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، ولما دخل رجل على الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وذكر له عن رجل شيئا، قال له إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية ” إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا” وإن كنت صادقا، فأنت من أهل هذه الآية “هماز مشاء بنميم” وإن شئت عفونا عنك، فقال العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه، فلو حرص كل منا على التثبت والتبين قبل إصدار الأحكام، أو قبل بث ونشر كل ما يصل إليه، لفقدت الإشاعة أثرها، ولأحجم مروجو الإشاعات عن نشرها بين الناس، ومنها البعد عن الغيبة، بل إن الإنسان مطالب بأن يرد عن عرض أخيه حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ” من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة” ومنها اجتناب اللمز، حيث يقول تعالى ” ولا تلمزوا أنفسكم”

 

أي لا يعب بعضكم على بعض ويكون اللمز بالقول والهمز بالفعل ونهى القرآن الكريم عنهما، حيث يقول تعالى ” ويل لكل همزة لمزة ” وهم الذين يطعنون في الناس، ويعيبون فيهم ويدعونهم بما يكرهون من الأسماء والصفات، وهذا تحذير من همز ولمز الناس ووعد بهلاك شديد لمن يقع في هذا، ومنها عدم السخرية من الناس ، فالمؤمن الحق لا يسخر، فقد نهانا ديننا عن كل ما يؤذي الآخرين، فمن صفات المسلم ألا يكون مؤذيا لأحد، ولا يأتي منه إلا الخير للناس، ونفع الإنسانية، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل ما يؤذي المشاعر قولا أو فعلا أو إشارة، فكان صلى الله عليه وسلم يبث في الإنسان ما يرفع شأنه وفضله في أعين الناس، وهكذا فإن موضوع القيم ممتد في حياة المسلمين فلا يقوم مجتمع مسلم تقي نقي حتى تحتل فيه القيم منزلتها الرفيعة في سلوك الفرد والأمة والمجتمع.

 

وإن من القيم هو بر الوالدين والإنفاق، والصدق، والوفاء، وإعمار الأرض، واستثمار الوقت، وإتقان العمل، والإنصاف، والشعور بالمسؤولية، وأداء الفرائض، الامتناع عن المحرمات، وإن من قيم الإسلام الخالدة هو الصبر، وحب الخير، وجهاد النفس والهوى والشهوة، ومن القيم أيضا الحياء، والعفة، والاستقامة، والفضيلة، الحجاب، وإن القيم تدفع المسلم وإن كان في ضائقة مالية، إلى إغاثة الملهوف وإطعامِ الجائع، وتجد المسلم المؤمن يمتنع عن الرشوة والسرقة، والمرأة تحافظ على كرامتها وتصون عفتها وتنأى بنفسها عن مواطن الفتنة والشبهة ولا تستجيب للدعاوى المغرضة والمضللة، ذلك أن الإيمان هو النبع الفيّاض الذي يرسخ القيم وتبنى به المجتمعات ويوفر لها الصلاح والفلاح والأمن والتنمية، فقد قال رسول الله “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم” فيحرص المسلم على أن يراعي كبره.

 

وعجزه أثناء التعامل معه، ويتذكر أنه وإن كان قويا الآن فسيعود يوما إلى ضعفه الذي كان عليه، ولا يتكبر عليه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إهانة الشيخ الكبير تدل على ما في القلب من نفاق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث عنده اثنان بأمر ما بدأ بأكبرهما سنا، وما ذلك إلا ليدل على أن الإسلام أمر باحترام الكبير، وتتعدد حقوق الكبار في السن وطرق الرحمة والرأفة بهم، وما ذلك إلا من الإحسان لهم، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وإن من الحقوق هو توقيره واحترامه بأن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في قلوب من هم حوله، وقد كان ذلك من سمت الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، وهو من الواجبات التي أوجبها النبي، إضافة إلى السعي في خدمتهم والعمل على راحتهم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل عليهم رجل كبير في السن، فلم يسرع أحد إلى أن يوسع له في المجلس “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويُوقر كبيرنا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى