مقال

الدكروري يكتب عن تميز الخبيث من الطيب

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تميز الخبيث من الطيب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن كل ما أعطاك الله تعالي إياه لم يرد منه التمليك الدائم لك لأنه يسترد منك الذي أعطاك، وعندما أخذ الله منك ما أعطاك لم يرد سلبك لأنه الذي أعطاك أول مرة، إذن فالامتحان والاختبار هو المراد من التمليك المؤقت لما أعطاك ربك، وجعل كل ما في الدنيا أداة من أدوات الامتحان، ولأن الامتحان هو المقصود من الحياة فإن الله لم يرغم الناس على عبادته بل استخلفهم على الأرض، وأرسل إليهم رسلا ورسالات، وطلب منهم أن يخضعوا لأمره، وأن يطيعوه ويعبدوه باختيارهم، في المهلة المعطاة لهم على الأرض، إن الله سبحانه وتعالى يبتلينا ليذكرنا بذنوبنا وليزيل القسوة عن قلوبنا لعلنا أن نرجع إلى الله عز وجل فنقف ببابه ونتضرع إليه ونستكين له ونقبل عليه ليسمع تضرعنا وشكوانا ويرى صبرنا.

 

ورضانا بما قدره الله علينا فلنحسن الظن بالله ولنجعل أملنا فيه جل جلاله سبحانه وتعالى، فعليكم بتقوى الله ومراقبته وترك الغش والخيانة ولنأخذ بأسباب النجاح والفوز فإن نوفق فلنحمد الله على فضله ونشكره على نعمه ونسأله المزيد من جوده وكرمه ولا نغترا بأنفسنا أو جهدهنا أو ذكائنا فإنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله وإن وجدنا عكس ذلك فلنحمد الله على كل حال ونشكره في كل الأحوال فيقول نبينا صلى الله عليه وسلم ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” وإن كلنا نعيش في امتحان واختبار فالله سبحانه وتعالى ما خلقنا في هذه الدنيا إلا للابتلاء والامتحان فقال تعالى فى سورة الملك ” الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا”

 

وإن الله سبحانه وتعالى يبتلينا بالطاعة والمعصية والخير والشر ليظهر للعيان من استجاب للأمر ومن تنكب عنه ومن سلك سبيل الهدى ومن أعرض عنه فيتميز الخبيث من الطيب ويظهر المستقيم من المنافق فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب” وإن الأمة الإسلامية اليوم كلها في امتحان عظيم وتحد كبير تواجه تحديات معقدة وامتحانات صعبة وهذه التحديات والامتحانات لن تزول بنفسها ولن تذهب بذاتها، وإنما من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلينا بها يقول الله في كتابه العظيم فى سورة محمد ” ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض” وكل واحد منا يسعى لكي يفوز ابنه في الامتحان فيهيئ له الأجواء ويلزمه بالمراجعة والدراسة.

 

ويرتب له من يشرح له ما لم يفهمه ويتمنى أن يتفوق في الامتحان بامتياز هذا شيء جميل وأمر طيب ولكن ماذا عملنا لأنفسنا ولهم في امتحان الآخرة هل نوجههم إذا أخطئوا؟ وهل نرشدهم إذا ضلوا؟ هل نحن حريصون على فوزهم في الآخرة كما نحرص على فوزهم في الدنيا؟ هل نوقظهم للصلاة كما نوقظهم للامتحان والدراسة؟ هل عملنا معهم لامتحان الآخرة كما نعمل معهم لامتحان الدنيا؟ وهل نسعى لإنقاذهم من الفشل في الآخرة؟ كما نسعى لإنقاذهم من الفشل في الامتحانات الدنيوية؟ فإن الإنسان الذي لا يبالي بما أصابه في دينه من ارتكاب للذنوب واقتراف للخطايا وتضييع للصلوات وفوات للجمعة والجماعات والنوم كل يوم عن صلاة الفجر جماعة هذا الإنسان قد عرّض نفسه للإخفاق في الامتحان.

 

الذي يمتحنه الله به لأن من لا يشعر بألم الذنب ولا يحس بحرارة المعصية فإنه فاشل وميت وإن كان في صورة حي ويمشي بين الأحياء، ولقد انفتحت علينا المغريات وتيسرت لنا المعاصي والسيئات وثقلت الطاعات، وكثرت المحرمات بكل أنواعها وأشكالها وهذا والله هو عين الابتلاء وقمة الاختبار فهل نعي صعوبة الامتحان أم نغفل ونذهل فنضل ونخسر في الدنيا ثم نضل ونخسر في الآخرة بين يدي الله حين يقول لنا ” افرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا” فإن الإبتلاء فيه الحث على التوكل والرضا، ونفي الحول والقوة عنه، إذن ما من حادثة من سعادة وشقاوة، وعسر ويسر، وخير وشر، ونفع وضر، وأجل ورزق، إلا ويتعلق بقدره وقضائه قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام.

 

جرى قلم القضاء بما يكون، وما أصابك من النعمة والبلية أو الطاعة والمعصية مما قدره الله لك أو عليك لم يكن ليخطئك أي يجاوزك وأن ما أخطأك أي من الخير والشر لم يكن ليصيبك، فيا من ابتليت بمرض ما أو بأمراض اعلم أن ذلك في الحقيقة هو منحة لك لا محنة بإذن الله تعالى، لذا يجب عليك أن تصبر على ما نزل بك من البلاء وتحتسب المشقة التي حلت بك عند العزيز المقتدر، وإياك والجزع والسخط وكل ما ينفي الصبر، وتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم ” إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى له الرضا ومن سخط فله السخط” رواه الترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى