مقال

الدكروري يكتب عن ركنيّة العمل لصحة الإيمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ركنيّة العمل لصحة الإيمان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن العمل بمقتضى الإيمان بالله عز وجل، هو قضية من أعظم القضايا التي غفل الناس عن فهمها، فإن الإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل، وإن الشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة على ركنيّة العمل لصحة الإيمان، وإن هؤلاء الذين يركبون البحر فيسافرون كان لهم في الماضي شأن عجيب، وكانت تحل بهم النكبات والعواصف، فتكاد أن تغرقهم، ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله، في كتابه رحلة الصديق إلى البيت العتيق ولما سار المركب من الحديدة سكن الهواء إلى ثلاثة أيام، ولم يتحرك المركب خطوة من محل القيام، وبعد ذلك هبت الريح الأزيز، وجاء الغيم والمطر بالليل، ورجع المركب إلى عقبه، وسار إلى غير صوبه، فمكثنا بهذه الحالة في البحر إلى أيام آيسين من الوصول إلى المأمول.

 

وضاقت علينا الأرض بما رحبت، من طول الركوب ومخالفة الهواء، وقلة المطعوم والمشروب، وبلغت الأنفس التراقي، وكانت الأيدي إلى السماء مرفوعة، ثم سمع الله دعاء الآيسين، وهبت لنا ريح طيبة من رب العالمين إلى يومين، وكانت ضعيفة، ولكنها أخرجت المركب من مجمع الجبال المستغرقة في الماء إلى ساحل النجاة، ولما قربنا من جدة، قرب المركب ليلا إلى جبل في الماء، ومن أخطر الأمور أن يقترب المركب إلى جبل في الماء، فاضطرب له المعلم اضطرابا شديدا، وربط أشرع السفينة، وعمل كل تدبير خطر له بالبال، وأنزل الملاحون أقرب، وهى قوارب السفينة وسعوا إلى جوانبه، وعلموا أن المركب لو سارت قليلا لتصادم بالجبال، فمضى هذا الليل في غاية الاضطراب، وتمت تلك الليلة بالاستغفار.

 

وإخلاص النية، والتوبة، وكلمة الشهادة على الألسن، وسلموا أنفسهم للموت، وكان رحمة الله علينا بالسلامة حتى طلع الفجر، وشاهدنا ذلك الجبل في ضوء النهار، فإن الدنيا مبنية على المتاعب والأوصاب ولهذا هي ثمانية تجري على المرء دائما، ولا بد أن المرء يلقى الثمانية، سرور وحزن، واجتماع وفرقة، ويسر وعسر، ثم سُقم وعافية، فيتخللها النكبات والأزمات، والهموم والغموم، فلهذا يعتري الإنسان الهم والغم، والقلق والأرق، ولكن جعل الله لكل همّ فرجا، ولكل ضيق مخرجا، فمعنا في هذه الدقائق المعدودة مفاتيح الفرج، لعل الله عز وجل أن يجعل لنا وللمسلمين من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وأول هذه المفاتيح هو توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده، والرضا به ربّا، وبالإسلام دينا.

 

والرضا بربوبيته مدبرا، وخالقا ومتصرفا، والرضا بألوهيته إلها ومعبودا، والرضا بأسمائه وصفاته، فكلما قوي توحيدك ذهب همّك وغمّك، ومن ذلكم حُسن الظن بالله، والثقة بالله، والاعتماد عليه، ومن ذلكم الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به فلهذا إذا التجئ العبد إلى ربه وخالقه فإن الله يعيذه ويحفظه من كل سوء ومكروه، ومن ذلكم التوكل على الله تعالى والتوكل صدق الاعتماد على الله، في جلب المنافع ودفع المضار، وقال الشافعي رحمه الله، صبرا جميلا ما أقرب الفرج من راقب الله في الأمور نجا، فيا أيها العامل أو الموظف قد تمر بك ساعات شدة، قد تفصل من عملك، أو تفقد وظيفتك، فينزل بك الكرب، ويركبك الهم، أين تذهب؟ وماذا ستفعل؟ وكيف تعيش؟ ومن أين تكسب اللقمة التي تضعها في أفواه أولادك؟ ما مصيرهم؟

 

ولكن اعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه يرزق الطير في جوها، والنمل في جحرها، وأن الله لا يضيع عباده، واتق الله في جميع أمورك، حتى يجعل الله لك فرجا، ويرزقك من حيث لا تحتسب، فيقول تعالى ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” وقيل لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نادى على ولده عبدالله بن عمر فقال له يا عبدالله انطلق إلى عائشة فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب، أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي.

 

فلما أقبل قيل يا أمير المؤمنين هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال ما لديك؟ قال ابشر بالذي تحب يا أمير المؤمنين، لقد أذنت ام المؤمنين، قال الحمد لله، ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا مت فغسلوني وكفنوني ثم استأذنوا لي من عائشة مرة أخرى، فإنني أخاف أنها وافقت استحياء مني وأنا حي فلما مات عمر وغسل وكفن وصلي عليه، حملوه وقيل لها وهو محمول على أعناق الرجال يا أم المؤمنين عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه مرة أخرى، فوافقت رضي الله عنها فدفن عمر مع النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه، فأي إيثار هذا وأي مجتمع تربوا فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى