مقال

في ذلك الحيـــــــز الصغيــــــــــــر

جريدة الاضواء

في ذلك الحيـــــــز الصغيــــــــــــر

بقلم : د. نسرين معتوق

كانت دائماً ما ترجع لتلك الزاوية التي خصصتها لنفسها في مكان صغير داخل غرفة بمنزل كبير .تفتح باب الغرفة و تغلقه خلفها و كأنها تغلق الباب بينها و بين كل ما هو كائن في هذا العالم و خلف هذا الباب .

تغلق الباب بينها و بين كل هذه الضوضاء و كل هذا الصخب المرهق ، بينها و بين كل هذا الكذب المُتشح بعبارات النزاهة ليظهر صادقاً ، و بينها و بين كل هذا النفاق المُكتسي بحلو الكلمات ليظهر مخلصاً .

كانت تجلس على كرسيها و ترفع كلتا قدميها عليه ، و كأن لا مكان لهما على الأرض من تحتها .
على طاولة بجانب كرسيها .. كانت تضع بعض مما تقتني من الكتب التي راقت لها ، و بجانب تلك الكتب أوراق خاصة بها دائماً ما كانت مرتبة و إن كانت كلماتها التي كتبتها عليها مبعثرة ، جمل غير متصلة و كأنها حين كتبتها لم تكن تلحظ وجود الأسطر و لا ما إذا كانت تحرر كلماتها في صدر الورقة أو على هامشها ، فكلاهما عندها سواء .

كانت توثق و بإنصاف لحظات حزنها كما توثق لحظات فرحها ، فهي تدرك أن من بين الكسور تخرج حياة ، حياة مختلفة لكنها حياة و هي التي لطالما عشقت الاختلاف .
و لأنها كانت تجيد التحليل و الحساب ، فأغلب الظن أنها كانت توثق لتُحلل و تحاسب حتى نفسها .

حيز صغير ذلك الذي اختارته لنفسها ، إلا أنه كان كل ما تحتاج إليه لتعيد فيه ترتيب أوراقها و شتات أفكارها ، و لترمم فيه ما لحق بروحها من أذى في رحلة الحياة ، فبالرغم من صغر ذلك الحيز إلا أنه كان كافياً لتستجمع فيه قواها و لتستعيد فيه اتزان روح أرهقتها الحياة لكن لم تهزمها ، و لتخرج لذلك العالم مرة أخرى و من نفس الباب الذي سبق و اغلقته .. فهى تدرك تماماً أن ذلك العالم لم و لن يتغير و لكن هي مَن كان عليه أن يلم شتات أمره و يخرج لذلك العالم أقوى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى