مقال

الدكروري يكتب عن عبادة الله بالهدى لا بالهوى

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عبادة الله بالهدى لا بالهوى

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن عبادة الله بالهدى لا بالهوى، فينبغي للإنسان أن يكون عنده فقه في دين الله, وأن يتبع ما جاء عن السلف، وألا يعبد الله بالهوى وإنما يعبده بالهدى, فاعبد الله بالهدى لا بالهوى, ولو أننا قلنا إن الإنسان يعبد الله بالهوى, لكان أولئك أصحاب الطرق الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه لكانوا على صواب ولاختلف الناس فيما بينهم في دين الله, ولكن إذا قلنا العبادة موقوفة على ما جاء به الشرع فحينئذ نتحد ويكون عملنا واحد، وإن الصبر مع انتظار الفرج من أعظم العبادات، فإن الصبر مع انتظار الفرج يعتبر من أعظم العبادات, لأنك إذا كنت تنتظر الفرج فأنت تنتظر الفرج من الله عز وجل, وهذه عبادة, وقد قال النبي علية الصلاة والسلام “واعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب” فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج أقرب إليك “وإن مع العسر يسرا” وإن من فوائد بسط الدعاء أنه عبادة.

 

وكلما كررت الدعاء ازددت لله تعبدا، وإن مقام الدعاء يقتضى البسط, لأمور، وهو أهمها لمن فتح الله قلبه التلذذ بمناجاة الله عز وجل, لأن كل واحد منا لو كان له صديق محبوب إليه، فإنه يحب أن يبسط ويكثر معه القول, وإذا جلس إليه وقاما يتحدثان تمضى الساعات الطويلة وكأنها دقائق، وأن الدعاء عبادة, وكلما كررت ازددت لله تعبدا, فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء، وأن البسط والتفصيل يوجب تذكر الإنسان كل هذه الأنواع التي بسطها وبينها وفصلها, واستحضار الإنسان لذنوبه تفصيلا أكمل في التوبة, لأن التوبة المجملة لا تستوعب جميع الذنوب استحضارا وإن كانت تستوعبها لفظا ومدلولا, فمثلا لو قال الإنسان اللهم اغفر لي ذنبي كله, وهو قد فعل ذنوبا قد تكون أكبر مما يتصوره الآن, لكن غابت عن باله, فإذا ذكر وفصل كان هذا أبلغ في التوبة.

 

لأن الدلالة على تعين الأفراد أقوى من الدلالة على العموم، وانظر إلى قول الرسول علية الصلاة والسلام “اللهم اغفر لي ذنبي كله, دقه وجله, علانيته وسره, وأوله وآخره، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أعلنت وما أسررت, وما أنت أعلم به مني” فيكفى عن هذا كله أن يقول “اللهم اغفر ذنبي, لكن البسط له تأثير على القلب” وكذلك فإن فتح أبواب الجنة الثمانية يعني تيسير العبادات المؤدية لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء, ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا عبد الله ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء” رواه مسلم، ومعنى فتح أبواب الجنة الثمانية أنه تيسير له أعمال هذه الأبواب، فتيسر له الصلاة, والصيام، والصدقة, والجهاد, وغير ذلك من الأبواب، فإن الشدة لا تدوم، والألم لا يبقى.

 

ولاشك أن ما من عسر إلا ويعقبه يسر، وما من ضائقة إلا ويزيلها الفرج، وإن من إيمان العبد بربه أن يستشعر أن للآلام نهاية، وأن لكل داء دواء يستطب به، وأن الآهات المتناوبة من وإلى صدرة، سيجعل الله بدلا عنها نسمات فرح وبهجة وسرور، ومن إيمان العبد بربه يقينه التام بأن الله جل وعلا من قضى وقدر الأقدار، وأجل الآجال، وسبب الأسباب، وأنه جل وعلا لم يعط أحدا من عباده خيرا إلا بفضله، ولم يصب أحدا من عباده بسوء إلا بعدله، وأن كل شيء قدره بحكمته، وأنه سبحانه لا يريد بعبده إلا خيرا، وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” رواه مسلم.

 

وإن من إيمان العبد بربه أيضا ان يعلم أن ما تعرض له من ابتلاء ومصاب هو تكفير له من الذنوب وتطهير له من الخطايا، وذلك والله فرج له من نوع آخر، فكم من عبد غارق في الذنوب والشهوات، وأسير للآثام والسيئات، حتى أصابه ذلك البلاء، وأحاطه شيء من الابتلاء، فصبر وصدق فكان له ذلك البلاء مصفيا له ذنوبه الجمة وخطاياه الملمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة ” رواه الترمذى، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله عز وجل إذ احب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ” فانتظر الفرج أيها المكلوم بإيمان وعمل خالص وحسن ظن بربك جل وعلا.

 

ولا تخرم وثيقة الايمان بسخط متكرر، أو جزع متتالي، أو اعتراض لا يجدي، فانتظر الفرج أيها المحزون بقلب آمن ومطمئن، وبلسان ذاكر شاكر، وبجوارح عاملة باذلة وبإقامة للعبادات وللطاعات، وتوبة من المعاصي والمنكرات، وبتذلل لله وخضوع وابتهال إليه وخشوع، فانتظر الفرج لأن انتظارك عباده، وصبرك طاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى