مقال

الدكروري يكتب عن أخرج من عندك يا أبا بكر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أخرج من عندك يا أبا بكر

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

في الطريق إلي الهجرة تقول السيدة عائشة رضي الله عنها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فأذن له، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر “أخرج من عندك” زيادة في الحذر، فقال الصديق في اطمئنان “إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله ” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “فإنى قد أذن لى فى الخروج ” فقال أبو بكر، وقلبه يكاد ينخلع من اللهفة “الصحبة، بأبى أنت يا رسول الله؟ يعني هل سأصحبك في هذه الرحلة؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “نعم” هنا لم يستطع أبو بكر رضي الله عنه أن يتمالك نفسه من شدة الفرح، فبكى، فسبحان الله العظيم تقول السيدة عائشة رضي الله عنها “فلم أكن أدرى أن أحدا يبكى من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكى ” فبكى من شدة الفرح لأنه سيخرج في هذه الهجرة الخطرة، بل شديدة الخطورة.

 

لا شك أن الصديق رضي الله عنه كان يقدر خطورة هذه الرحلة، ولا شك أنه كان يعلم أنه سيكون من المطلوبين بعد ذلك، وقد يقتل، لكن كل ذلك لم يؤثّر فيه مطلقا، إنه يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا لا يوصف، يحبه أكثر من حب الأم لولدها، هل لو تعرض الابن لخطر ما، أتتركه أمه دون رعاية خوفا على نفسها من الخطر؟ مستحيل، الصديق كان أكثر من ذلك، كان هذا حبا حقيقيا غير مصطنع، لازمه في كل لحظة من لحظات حياته، منذ آمن وإلى أن مات رضي الله عنه، حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما تغير حبه في قلب الصديق قط، وبهذا الحب وصل الصديق رضي الله عنه إلى ما وصل إليه، وقبل أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وسيلة الانتقال إلى المدينة، إذا بالصديق رضي الله عنه يقول “فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى إحدى راحلتى هاتين”

 

فكان الصديق رضي الله عنه يتوقع أن يكون صاحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فاشترى راحلة أخرى غير راحلته، وبدأ يعلف الراحلتين استعدادا للسفر الطويل، فلما جاء موعد السفر كان الصديق جاهزا تماما، لم يجهّز نفسه فقط، بل جهز راحلتين، له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يأخذ الراحلة إلا بثمنها، فقال صلى الله عليه وسلم “بالثمن” فحقا أن الصديق أنفق معظم ماله على الدعوة، ولكن كان ذلك لإعتاق العبيد وللإنفاق على الفقراء، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يريد من أحد أن ينفق عليه هو شخصيا، فأصر أن تكون الراحلة مملوكة له بماله، ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مستعدا تماما، استعدادا نفسيا كاملا للرحيل وترك الديار والبلاد دون اعتذار بأي ظرف معوق.

 

ولا شك أنه إنسان وأنه تاجر وأنه أب وأنه زوج وأنه كذا وكذا، ولا شك أن عنده أمورا كثيرة تعوقه كبقية البشر، ولكنه رضي الله عنه كان يعطي العمل لله عز وجل قدره الحقيقي ولذلك كان يهون إلى جواره أي عمل آخر، وكان مستعدا استعدادا يناسب المهمة، فقد أعد راحلتين حتى دون أن يطلب منه، وكان مستعدا استعدادا عائليا، فقد أهل بيته لقبول فكرة الهجرة، وأخذ القرار ببساطة مع أنه سيترك خلفه في مكة بنات صغارا، وكان مستعدا استعدادا ماليا، فقد ادخر خمسة آلاف درهم للإنفاق على عملية الهجرة، ولتأمين الطريق أخذها بكاملها عند خروجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يترك لأهله شيئا من المال، ولكنه ترك لهم كما اعتاد أن يقول “تركت لهم الله ورسوله” فهذا رجل يعيش للقضية الإسلامية، حياته كلها في خدمة هذا الدين، أوراقه كلها مرتبة لمصلحة الإسلام.

 

أولوياته واضحة، أهدافه جلية، طموحاته عالية، فهذا هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فقد جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر يخططان لأمر الهجرة، يحسبان لكل خطوة حسابها، فوضعا معا خطة بارعة توفر أفضل الفرص للنجاة، وأنه سيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته في أول الليل، ويأتي إلى الصديق في بيته وذلك لتجنب الحصار الذي سيفرض حتما على بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت الصديق رضي الله عنه جزءا من الليل، حتى تهدأ الحركة في مكة تماما، وهنا سيأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق الراحلتين وينطلقان في الرحلة، وسيكون الخروج من بيت الصديق من خلال خوخة أى فتحة في خلف البيت، لأنه من المحتمل أن تكون هناك مراقبة لباب البيت، فقد يتوقع المشركون أن يخرج الصديق وهو الصاحب الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه إلى الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى