مقال

الدكروري يكتب عن المسجد وقيادة الأمة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المسجد وقيادة الأمة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان المسجد مكان لقيادة الأمة، فزعماء الأمة الإسلامية كانوا دائما في زمان ازدهار الأمة الإسلامية، سواء أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في أيام الخلفاء الراشدين، أو في أي عصر من عصور النهضة والحضارة الإسلامية كانوا دائما يرتبطون بالمسجد ارتباطا قويا، إنها مأساة حقيقية ألا يدخل زعماء الأمة المساجد إلا في المناسبات، وسياسة الأمة الإسلاميّة كلها منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تدار من داخل المسجد، فتسير الجيوش من داخل المسجد، وقرارات الحرب من المسجد، والمعاهدات من داخل المسجد، واستقبال الوفود في داخل المسجد، فكل هذا يبين الوظيفة العسكرية أو السياسية والحربية، حيث أدى المسجد دورا إيجابيا وفعالا في هذا المجال.

 

في الوقت الذي لم يكن فيه تنظيم عسكري يضم الجيش أو الشرطة وما إلى ذلك، مما ظهر بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما هنالك أن تحديد مسؤولية قيادة الجيش في رجل من المسلمين كانت تقام في المسجد، ويخرج المسلمون معه ملبين داعي الجهاد في سبيل الله، ولقد كان المسجد الثكنة الأولى في الإسلام، ومقر القيادة العسكرية والحربية آنذاك، حيث اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده مقرا للقيادة، يعد فيه الخطط ويعقد مجالس الجهاد، ويصدر الأوامر وينصت إلى آراء المستشارين، وكان يحشد أصحابه في المسجد، ويشحنهم بطاقات مادية ومعنوية ويحرض المؤمنين على الثبات وينهاهم عن الفرار، ويحذرهم من الفرقة والنزاع، ويأمرهم بالطاعة والضبط ويشيع فيهم الألفة والنظام.

 

وكانت الغزوات والسرايا تنطلق من المسجد وتعقد الأعلام والبنود في المسجد للمجاهدين، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمعون في المسجد حين يداهمهم الخطر، ويعود المجاهدون من الغزوات والسرايا إلى المسجد وتضمد جروح المصابين، ويتعلم المسلمون أحكام الجهاد في المسجد، ولم تكن مهمة المسجد محصورة في إعداد الجيش وتسييره وعقد الألوية والبنود على القادة، بل كان مكان استقبال الوفود التي تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن من شئون الدولة أو إعلان الإسلام، أو طلب عقد معاهدة أو معونة، فكان أشبه بقاعة الاستقبال الرسمية، مفتوحة ومهيأة لجميع الوافدين، وقد استقبل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران.

 

وكما ساهم المسجد في بناء الجيش الإسلامي وعقد الأولوية وحث المسلمين على الصبر وملاقاة العدو والحرص على إعلاء كلمة التوحيد، كذلك كان مركزا ومقرا لإدارة شئون الدولة أو الولاية، وكان المنبر أشبه بالعرش، يلقى منه بيان الخليفة لسياسة الدولة، ويلقي فيه خطبته الأولى، ويبين فيها سياسته في الحكم، وفي المسجد تذاع القرارات الهامة التي تتعلق بالصالح العام، ويستقبل الخليفة السفراء، ويدير شئون الدولة، ومن هنا نرى أن الخطبة التي كانت تلقى في الجمع، وفي مناسبات أخرى كتولي الخليفة أمر المسلمين كان لها الأثر الكبير في نفوس المسلمين، لذا فإن أكثر الخطب وخاصة خطب الولاة وقبلهم الخلفاء الراشدون كانت تلقى في المسجد نظرا لأهمية هذا الأمر.

 

واختيار المسجد لإلقاء الخطبة فيه ضمان للنتائج المترتبة على الخطبة، والمتعلقة بما فيها من الأوامر والنواهي والتوجيهات، وقد خاطب الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه الناس في المسجد، وأمرهم بالتجهز للغزو، وأن يخرج كل من هو من جيش أسامة إلى معسكره بالجرف، فخرجوا كما أمرهم، فإن الأثر الذي يتركه المسجد في نفوس المسلمين عظيم وكبير، سواء كان أثرا دينيا أو اجتماعيا أو علميا أو سياسيا أو خلقيا أو غير ذلك، وليس أدل على هذا القول من استمرار المسجد كمركز إشعاع ديني وروحي ونفسي على الرغم من المحن التي تعرض لها المسلمون في مختلف العصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى