مقال

الدكروري يكتب عن ظاهرة الرحمة في قلب الأبوين

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ظاهرة الرحمة في قلب الأبوين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

قيل لأحد الصالحين، وكان مشهورا ببر الوالدين ما بلغ برك بأمك؟ قال ما مددت يدي إلى الطعام إلا بعد أن تمد يدها، وما نمت إلا بعد أن تنام، وما رقيت سطحا وهي تحتي خوفا من أن أعقها بأن أرتفع عليها، وقالوا للحسن البصري سمعنا أنك بارّ بأمك، فما بلغ بك من بر أمك؟ قال ما نظرت إلى وجهها حياء منها فكيف بمن بلغ به العقوق إلى أن يضرب والديه، أو يلعنهما؟ وقد جاء في الأثر “من عق والده حتى بكى، فالذمة منه مقطوعة” وفي أثر آخر”من بكى منه أبوه أو أمه فقد سلخ النور عن جبينه” وهذه الآثار تنسب للسلف، ولا ترفع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال جعفر الصادق لابنه “يا بني لا تصاحب عاق الوالدين فإن الله قد غضب عليه من فوق سبع سماوات، فكيف تصاحبه؟

 

فينبغي ألا يغيب عن البال أن ظاهرة الرحمة، إن حلت في قلب الأبوين، وترسخت في نفسيهما، قاما بما يترتب عليهما من واجب، وأديا ما أوجب عليهما من حق رعايتهما الأولاد، تلك الرحمة كانت تملأ قلب رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فتفيض عيناه بما تكنه جوارحه، ففي الصحيحين من حديت أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال أرسلت إحدى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت يعنى في مقدمات الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ارجع إليها وأخبرها أن لله تعالى ما أخد، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب” فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب.

 

وزيد بن ثابث ورجال رضي الله عنهم فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع أى تتحرك وتضطرب ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد، ما هذا يا رسول الله؟ قال “هذه رحمة جعلها الله تعالى فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” وفي الصحيحين من حديت أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله؟ فقال “يا ابن عوف، إنها رحمة” ثم أتبعها بأخرى فقال “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”

 

إلا أن هذه الرحمة التي استكنت فى قلبه صلى الله عليه وسلم لم تخرجه عن حد الاعتدال، فقد كان يوجههم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم، وإن كان فيه قسوة عليهم، فهذا مقتضى الرحمة، ففي الصحيحين من حديت أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فِيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كِخ كِخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟” وحينما أتته ابنته فاطمة رضي الله عنها تشتكى مما تلاقيه من عمل المنزل، وتطلب منه خادما يخدمها، أرشدها النبى صلى الله عليه وسلم إلى التسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، والتكبير أربعا وثلاثين، تم قال لها ولعلي رضي الله عنهما

 

“هو خير لكما من خادم” رواه مسلم، فلم تدفعه صلى الله عليه وسلم عاطفة الأبوة إلى تلبية طلب ابنته بل أرشدها إلى ما فيه صلاحها دنيا وأخرى، وهذا منتهى الرحمة عند مَن يؤمن بالله واليوم الآخر، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلى وغيره، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة” فالصبي أمانة في عنق والديه يسألان عنه في عرصات القيامة، وقلبه الطاهر جوهرة نقية، خالية من كل نقش وصورة، فهو قابل لكل ما ينقش فيه ويغرس، ومستعد للتوجه به إلى أى جهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى