مقال

الدكروري يكتب عن ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحب في الدنيا بين العباد يجب أن يكون في الله وبالله، فعن عمرو بن الجموح رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول “لا يستحق العبد صريح الإيمان حتى يحب لله، ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله، فقد استحق الولاية من الله تعالى” وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله ، وتبغض في الله” وقال ابن عباس رضي الله عنهما أحب في الله وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا.

 

وإن ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺸﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ، وإن ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟُﻬﺎل ﻋﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ عن الدنيا الفانية، ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺸﻔﻮﺍ ﺳﻮﺀ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﺂﻟﻬﺎ، ﺩﺭﺟﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻓﻔﺘﻨﺘﻬﻢ ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻠﺪﻭﺍ ﻭﺑﻬﺎ ﺭﺿﻮﺍ ﻭﻟﻬﺎ ﺍﻃﻤﺄﻧﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻬﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺍلله عز وجل، ﻭﺷﻐﻠﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ، ﺇﻧﻬﻢ ﻧﺴﻮﺍ ﺍلله ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ قدرﻭﻩ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺮﻃﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، فقد ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍلله ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ.

 

ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺳﺎﻭﺕ ﻋﻨﺪ ﺍلله ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻣﺎ ﺳﻘﻰ ﻛﺎﻓﺮا ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍلله ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﻠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻖ ﺑﺈﺻﺒﻊ ﻣَﻦ ﺃﺩﺧﻞ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺟﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ، ﻭﺃﻣﺮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻏﺮﻳﺐ، ﺃﻭ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﻳﻌﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻣﺴﻰ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻭﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﺎ ﻳُﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻌﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﺭﻫﻢ، ﻭﺩﻋﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺲ ﻭﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ، ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻗﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﺮﺓ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻠﻮﺓ ﺃﻱ ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﺑﺨﻀﺮﺗﻬﺎ ﻭﺣﻠﻮﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺑﺤﻼﻭﺗﻬﺎ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺎﺗﻘﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﺍﻛﺐ ﺍﺳﺘﻈﻞ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺻﺎﺋﺐ، ﺛﻢ ﺭﺍﺡ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ.

 

فسبحان الله العظيم الذي عرّف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتهم سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سنة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أموالها بذل طالبيها ناطقة، فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره.

 

شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها أتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدور، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺍﻻﺿﻤﺤﻼﻝ ﻛﻤﺜﻞ ﻏﻴﺚ ﺭﺍﻕ ﺍﻟﺰﺭﺍﻉ ﻧﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﻳﻬﻴﺞ ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ، ﻭﻳﻨﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﺭﻩ الله ﻟﻪ، ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﺼﻔرا ﻣﺘﻐﻴﺮﺍ ﺯﺍبلا ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﺃﺧﻀﺮ ﻧﺎﺿرا ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴُﺒﺲ ﻫﺸيما ﻣﺘﻜﺴﺮا ﻓﻔﻴﻪ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﻤﺪﺓ ﻧﺒﺎﺕ ﻏﻴﺚ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻳﻀﻤﺤﻞ، ﻭﻳﺘﻼﺷﻰ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻗﺮﺏ ﻓﻨﺎﺋﻬﺎ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى