مقال

الدكروري يكتب عن الحج في أعماله وشعائره

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحج في أعماله وشعائره

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحج ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه العظام، شرعه الله تعالى لمصالح عباده ومنافعهم في الدنيا والآخرة، والحج في زمانه ومكانه وأعماله شعيرة من الشعائر الكبرى، ومظهر من مظاهر توحيد الله تعالى، ونبذ الشرك والوثنية فزمانه من الله تعالى وليس من البشر، ومكانه بقعة مباركة مقدسة باركها الله تعالى، وفضلها على سائر البقاع، وأمر عباده بأن يفدوا إليها من فجاج الأرض حجاجا ومعتمرين وزائرين، وهكذا أراد الله تعالى أن يكون زمان الحج ومكانه، ولا معقب لحكم الله تعالى، وليس على المؤمنين إلا القبول والإذعان، والقبول والامتثال، فلبى النداء من أراد الله تعالى بهم خيرا من عباده.

 

ولا زالوا وإلى آخر الزمان واستنكف عنه أهل الجهل والشرك والاستكبار، والحج في أعماله وشعائره مبني على توحيد الله تعالى وطاعته فالحاج يخرج من بلده، ويفارق أهله وولده وحبه، ولا يدري أيرجع إليهم أم يموت بعيدا عنهم، ويتحمل مشقة السفر ومخاطره، ويبذل نفيس المال، لا لشيء إلا لمرضاة الله تعالى وتلبية لنداء الخليل عليه السلام حين أمره الله تعالى أن يبتني بيتا، وينادي في الناس بأن يحجوا إليه، مسلمون يفدون إلى مكة للحج من أقاصي البلدان، شيب وعجائز أخذت السنون منهم حظها، فهزلت أجسامهم، وضعفت حركتهم، وأحاطت بهم الأسقام من كل جانب ما إن يبشروا بأنهم سيحجون.

 

إلا نهضت لهم هِمم تناطح السحاب، وتدك الجبال، ومنهم من ينتظر هذه البشرى منذ عشرين سنة وثلاثين وأربعين، ومنهم من بذل كل ثروته في هذا السبيل، ومنهم من باع بيته لأجل الحج، فهل ترون أن هؤلاء قدموا إلى مكة يريدون عرضا من الدنيا، وقد بذلوا كل دنياهم لأجل الحج؟ ما إن تطأ أقدامهم أرض الحرم، فيروا الكعبة الشريفة إلا وتقشعر جلودهم، وتفيض بالدمع عيونهم شاكرين الله تعالى على بلوغ الهدف، وتحقق الأمنية، وأداء الفريضة، وتالله الذي لا يحلف إلا به إن خروجهم من بلادهم إلى مكة مظهر عظيم من مظاهر التوحيد، وإن في خروجهم بهذه الأعداد الهائلة في كل عام، ومن مختلف البلدان.

 

حتى لا تكاد توجد بلاد لا يفد منها حجاج، إن فيه دعوة إلى التوحيد فكم من ملحد ومشرك وضال هداه الله تعالى إلى الإسلام، وكان الحج سبب هدايته حين رأى أهل بلده يحجون، أو رأى جموع الحجيج في المشاعر على الشاشات، فسأل نفسه ماذا يفعل هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ ولماذا كان لباسهم هكذا؟ ولماذا كان لباسا واحدا؟ غنيهم وفقيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولماذا يطوفون ويقفون ويجأرون ويبكون؟ فكانت هذه الأسئلة وبحثه عن أجوبتها سبب هدايته، وكان سفر الحجيج واجتماعهم ومشهدهم سببا لتلك الأسئلة، فما أعظم الحج وشعائره، وما أدله على توحيد الله تعالى وتعظيمه، والحاج حين يبلغ الميقات يتجرد من لباسه المعتاد.

 

ويلبس ما لا يعتاد ولو كان فيه مشقة فإن مفارقة المألوف شاق على النفوس، وهو كذلك يجتنب محظورات الإحرام، لا يفعل ذلك لمصلحة مالية، أو مراعاة طبية، أو غيرها، بل يفعله طاعة لله تعالى، وإيمانا بأنه سبحانه فرض الحج، وأوجب على الحاج أن يفعل ذلك، وهذه الطاعة في ترك ما هو مألوف، وفعل غير المألوف، واجتناب المحبوب ما هي إلا مظهر من مظاهر توحيد الله تعالى والإيمان به، وأول جملة ينطق بها الحاج حال دخوله النسك هي التلبية، والتلبية إعلان للتوحيد ونبذ للشرك، وهذه التلبية العظيمة هي إهلال بالتوحيد، فكانت هذه التلبية المباركة هي أفضل صيغ التلبية لالتزام النبي صلى الله عليه وسلم بها.

 

وعدم زيادته عليها ولما تضمنته من معاني التوحيد، والبراءة من الشرك ولما فيها من الاستجابة لدعوة الخليل عليه السلام، حين أذن في الناس بالحج فإن معناها هو إجابة لك بعد إجابة، إجابة خالصة لا شرك فيها، وتضمنت التلبية كذلك حمد الله تعالى، والإقرار بنعمه الظاهرة والباطنة، وبأنه عز وجل مالك الملك، وكل ذلك من مظاهر توحيد الله تعالى في تلك التلبية المباركة، وهي رد على تلبية المشركين، فالحمد لله الذي شرع الحج لعباده المؤمنين، والحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، والحمد لله الذي هدانا لهذا الدين الحنيف، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى