مقال

الدكروري يكتب عن فإذا دخلتموه فإنكم غالبون

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فإذا دخلتموه فإنكم غالبون

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الخوف من الله عز وجل، يزيل الخوف من الناس، فالله عز وجل لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين، مخافته جل جلاله، ومخافة الناس، فإن الذي يخاف الله لا يخاف أحدا بعده، ولا يخاف شيئا سواه، فإذا وجدت في نفسك خوفا من أحد، أو خوفا من موطن، فاعلم بأن نسبة الخوف من الله تعالى، قلّ وضعف، وهذه معادلة ثابتة، وكلما زاد الخوف من الله عز وجل في قلب العبد قل خوفه من غيره، فماذا قال هذان الرجلان؟ قالوا ” ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون” فكم كان أولئك القوم في أمس الحاجة لكلمة حق تخرج من ذلك الموطن؟ وهكذا الزمان، تجد أن الأحوال تصل في بعض الفترات إلى أنه لا بد أن ينبري من يتكلم بكلمة الحق، يسمعها للناس وهذان الرجلان قالا ” ادخلوا عليهم الباب” أي ليس بينكم وبين نصركم عليهم إلا أن تخرموا عليهم. 

وتدخلوا عليهم الباب “فإذا دخلتموه فإنكم غالبون” وهذه قاعدة في علم القلوب، وفي علم الحروب، فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم؟ وبعدها هل نفع النصح في اليهود؟ وهل استجابوا لمقولة ذلك الرجلان؟ لقد قالوا كما جاء فى سورة المائدة ” قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” فما أشنع هذا الكلام؟ بل وإلقاؤه على نبي؟ وأين؟ إنه في هذا المقام الحرج الضيق الذي قد دعت الحاجة والضرورة فيه إلى نصرة نبي الله موسى عليه السلام، فقالوا ” إنا لن ندخلها أبدا” وهكذا يكون الجبن، وبعدها تكون الوقاحة من اليهود ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” فإنا لا نريد ملكا، ولا نريد عزا، ولا نريد أرض الميعاد، ولا نريد بيت المقدس، فكل هذا فليذهب إن كان هناك قتال وجهاد. 

وبهذا وأمثاله يظهر التفاوت بين الأمم، فبنو إسرائيل هذا كان جوابهم، وأما بنو إسماعيل الحنفاء، فكان جوابهم عندما شاورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في القتال يوم بدر، قال الصحابة “ولا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون” وكان ممن أجاب يومئذ المقداد بن عمرو رضي الله عنه، كما قال الإمام أحمد رحمه الله؟ قال فعندما وصل الأمر إلى هذا الحال، وأصبح القوم يتفلتون من التكاليف، ويتجرؤون على نبي الله، عندها كان لابد من العقوبة الإلهية، فجعلهم الله عز وجل يتيهون في الأرض أربعين سنة لا يهتدون إلى طريق، ولا يبقون مكانهم في الصحراء مطمئنين، وإنه لعجيب هذا العذاب، فإنه ليس رجل لوحده لكي يتيه في الصحراء، وليسوا أفرادا معدودين. 

لا خبرة لهم بطرق وشعاب الصحراء، بل كانوا أمة كاملة ومجتمعا كاملا بأسره، تاهوا في صحراء سيناء ليس يوم ولا أسبوع ولا سنة، بل أربعين سنة، وحصلت لهم أمور عجيبة وخوارق كثيرة، كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله، خلال هذه المدة فقد مات أقوام، وولد أقوام، وحصل تضليلهم بالغمام، وإنزال المن والسلوى عليهمـ، وإخراج الماء الجاري من صخرة صماء، تحمل معهم على دابة، فإذا ضربها نبى الله موسى عليه السلام، بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتي عشرة عينا، وهناك نزلت التوراة وشرعت لهم الأحكام، ثم كانت وفاة نبى الله هارون عليه السلام، ثم بعده بثلاث سنين وفاة نبى الله موسى عليه السلام، وأقام الله تعالى عليهم يوشع بن نون عليه السلام نبيا من بعد نبى الله موسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى