مقال

لدكروري يكتب عن تحقيق الوحدة الثقافية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تحقيق الوحدة الثقافية
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن إنتشار الإسلام في شتي بقاع الأرض في الخلافه الأموية والخلافة العباسية وما بعدها أحدث رواجا كبيرا في العالم أجمع، وهذا الرواج قد حقق الوحدة الثقافية وانتشار اللغة العربية، وكانت هي اللغة العلمية والثقافية في شتى الديار الإسلامية، كما كان يعني بالنسخ والورق والتجليد، مما جعل صناعة الكتب صناعة مزدهرة في العالم الإسلامي لإقبال القراء والدارسين عليها واقتنائها، وكانت هذه الكتب تتناول شتي فروع المعرفة والخط وعلوم القرآن وتفاسيره واللغة العربية والشعر والرحلات والسير والتراث والمصاحف وغيرها من آلاف عناوين الكتب، وهذه النهضة الثقافية كانت كافية لازدهار الفكر العربي وتميزه وتطوره، وفي غرب أفريقيا في مملكتي مالي وتمبكتو أثناء ازدهارهما في عصريهما الذهبي، كانت الكتب العربية لها قيمتها.

وكان من بينها الكتب النادرة التي كانت تنسخ بالعربية، وكانت المملكتان قد أقامتا المكتبات العامة مع المكتبات الخاصة، وفي سياق الاهتمام بالتجربة باعتبارها ضربا من الملاحظة المشروطة، وأسلوبا للحوار العلمي مع الواقع، أو أن الملاحظة تعني الاستماع إلى الواقع، والتجربة استجوابا له حتى ينطق عن قوانينه فلا بد أن يحيط بهذه الخبرة البشرية ضوابط أخلاقية بالإضافة إلى المعايير العلمية، ولنتأمل ما يوصي به جابر بن حيان بالاهتمام بالتجربة وعدم التعويل إلا عليها، مع التدقيق في الملاحظة، والاحتياط وعدم التسرع في الاستنتاج، أو ما نطلق عليه اليوم الحذر من التعميم، وعدم القفز إلى النتائج، وفي هذا يقول جابر بن حيان أيضا “وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب لأن من لا يعمل ولا يجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الاتفاق.

فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة” وتلتحم قواعد المنهج مع معايير الأخلاق عندما نتأمل بعض فقرات كتاب المناظر للحسن بن الهيثم عن علم البصريات ونراه يقول ومبدأ العلم أن نستأنف النظر في مباديه ومقدماته، ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدرج والترتيب، مع انتقاد المقدمات، والتحفظ من الغلط في النتائج، ونجعل غرضنا من جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، فلعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر، ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي يقع عندها اليقين.

ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتحسم بها سوار الشبهات، ويتبين لنا كذلك أن الشروط التي أوردها الإمام الشافعي للقياس في حد ذاتها معايير أخلاقية، حيث يقول “وفضلا عن معرفة القائس بالكتاب والسنة، يجب أن يكون عالما بما مضى قبله من سنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم، ولسان العرب، غير متعجل بقول، وألا يمتنع عن الاستماع لمن خالفه، وأن تكون دراسته العملية مصاحبة لمعرفته النظرية، فأما من تم عقله، ولم يكن عالما بما وصفنا، فليس له أن يقول بقياس، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوق، ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بطريق المعرفة فليس له أن يقول أيضا بقياس” وبذلك يكون استحالة التناقض بين القيم والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى