مقال

أيحسب الإنسان ان يُترك سُدى

جريدة الاضواء

أيحسب الإنسان ان يُترك سُدى

بقلم / هاجر الرفاعي 

إن الانسان اضعف مخلوق فهو من نطفة ومن قبلها لم يك شيئا مذكورا فالإنسان خلقة ربة في أحسن تقويم وكرمه وفضلة على كثير من المخلوقات فالانسان مأمور بتلطاعة فاذا لم يفعل ما امر الله به سوف يتم عقابة ومأمور بالنهي عن المنكر فيجب أن يبتعد عنه فالانسان غير متروك سُدى ولكن متروك لغاية وهي اتباع الأوامر واجتناب النواهي وتعمير الأرض فقال الله تعالى وقولة الحق مصدقا: “أيحسب الإنسان ان يترك سدى**ألم يك نطفة من مني يُمنى **ثم كان علقة فخلق فسوى **فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى**أليس ذالك بقادر على أن يحيي الموتى ** بلى ياربي أنت قادر على ان تحيينا ثم تميتنا ثم تحيينا ثم اليك المرجع والمصير. 

“أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى الاستدلال على إمكان البعث وهو ما ابتُدىء به فارتبط بقوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } فكأنه قيل : أيحسب أن لن نجمع عظامه ويحسبُ أن نتركه في حالة العدم .وزيد هنا أن مقتضى الحكمة الإلهية إيقاعُه بقوله : { أن يُترك سُدى } كما ستعلمه .والاستفهام إنكاري مثل الذي سبقه في قوله تعالى : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه }.وأصل معنى الترك : مفارقة شيء شيئاً اختياراً من التَّارك ، ويطلق مجازاً على إهمال أحد شيئاً وعدم عنايته بأحواله وبتعهده ، وهو هنا مستعمل في المعنى المجازي .والمراد بما يترك عليه الإِنسان هنا ما يدل عليه السياق ، أي حالَ العدم دون إحياء مما دل عليه قوله تعالى : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } 

وقوله : { يُنَبَّأُ الإِنسان يومئذٍ بما قدَّم وأخر }.وعُدل عن بناء فعل يَترك للفاعل فبني للنائب إيجازاً لأجل العلم بالفاعل من قوله السابق : { أن لن نجمع عظامه فكأنه قال : أيحسب الإِنسان أن نتركه دون بعث وأن نهمل أعماله سدى .فجاء ذِكر سُدى } هنا على طريقة الإِدماج فيما سيق له الكلام ، إيماء إلى أن مقتضى حكمة خلق الإِنسان أن لا يتركه خالقه بعد الموت فلا يحييه ليجازِيه على ما عَمِله في حياته الأولى .وفي إعادة { أيحسب الإنسان } تهيئة لما سيعقب من دليل إمكان البعث من جانب المادة بقوله : { ألم يك نطفة } إلى آخر السورة .فقوله : { أيحسب الإِنسان أن يترك سدى } تكرير وتعداد للإِنكار على الكافرين تكذيبهم بالعبث ، ألا ترى أنه وقع بعد وصف يوم القيامة وما فيه من الحساب على ما قدّم الإِنسان وأخّر .ومعنى هذا مثل 

قوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } .و سُدى بضم السين وبالقصر : اسم بمعنى المهمل ويقال : سَدى بفتح السِّين والضمُّ أكثر وهو اسم يستوي فيه المفرد والجمع يقال : إبل سُدًى ، وجمل سُدًى ويشتق منه فعل فيقال : أسْدى إبله وأسديت إِبلي ، ووقع { سُدى } في موضع الحال من ضمير { يُترك } .فإن الذي خلق الإِنسان في أحسن تقويم وأبدَعَ تركيبه ووهبه القوى العقلية التي لم يعطها غيره من أنواع الحيوان لِيستعملها في منافعَ لا تنحصر أو في ضد ذلك مِن مفاسد جسيمة ، لا 

يليق بحكمته أن يهمله مثل الحيوان فيجعل الصالحين كالمفسدين والطائعين لربهم كالمجرمين ، وهو العليم القدير المتمكن 

بحكمته وقدرته أن يجعل إليهِ المصير ، فلو أهمله لفاز أهل الفساد في عالم الكساد ، ولم يلاق الصالحون من صلاحهم إلاّ الأَنكاد ، ولا يناسب حكمة الحكيم إهمال الناس يَهِيمُون في كل وادي ، وتركُهم مَضرباً لقوللِ المثل «فإنّ الريح للعادِي» .ولذلك قال في جانب الاستدلال على وقوع البعث { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } ، أي لا نعيد خلقه ونبعثَه للجزاء كما أبلغناهم ، وجاء في جانب حكمته بما يشابه الأسلوب السابق فقال : { أيحسب الإِنسان أن يُترك سُدى } مع زيادة فائدة بما دلت عليه جملة { أن يترك سدى } ، أي لا يحسب أنه يترك غير مَرعِيّ بالتكليف كما تُترك الإِبل ، وذلك يقتضي المجازاةَ . وعن الشافعي : لم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمتُ أن السُّدَى الذي لا يؤمر ولا ينهى اه . وقد تبين من هذا أن قوله : { أن يترك سدى } كناية عن الجزاء لأن التكليف في الحياة الدنيا مقصود منه الجزاء في الآخرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى