منوعات

شجرة أعياد ميلاد لها دلالات تاريخية مهمة (الأوروبية)

جريدة الاضواء

كتبت/مرفت عبدالقادر احمد

يعود تقليد تزيين أشجار عيد الميلاد إلى زمن طويل قبل انتشار المسيحية، وبالتحديد ترجع أصول تقاليد الكريسماس إلى الحضارات القديمة في أوروبا، حيث استخدم الناس الأشجار دائمة الخضرة للاحتفال بالانقلاب الشتوي أو عيد منتصف الشتاء، حيث بداية زيادة طول النهار ونقصان ساعات الليل.
وقد أصبحت ممارسة تزيين أشجار عيد الميلاد شائعة بألمانيا في العصور الحديثة، ومن هناك امتدت إلى أجزاء أخرى من أوروبا، وفي النهاية إلى الولايات المتحدة التي ترددت كثيرا في اقتباسه نظرا لجذوره الوثنية.
وفي مقاله بموقع “ذا كونفيرذيشن” (The Conversation) يقول الكاتب والأكاديمي تروي بيكهام، أستاذ التاريخ بجامعة تكساس “إيه آند إم”، إنه لا يحب شراء شجرة عيد ميلاد جاهزة ليشعر بالالتحام مع واحد من أقدم التقاليد الدينية في العالم.
رمز الحياة زمن العتمة
لطالما كانت كل المجتمعات الزراعية، تقريبا، تقدس الشمس في مجمع الآلهة الخاصة بها في وقت من الأوقات، فهو الآلهة “سول” (Sol) في الأساطير الإسكندنافية، و”هيتزيلوبوتشي” (Huitzilopochtli) في حضارة الآزتيك، و”هيليوس” (Helios) في الميثولوجيا الإغريقية.
وكانت الانقلابات الشمسية، أي عندما تكون الشمس في أعلى وأدنى نقطة في السماء، أحداثا كبرى. وكان الانقلاب الشتوي -حيث تكون السماء في أحلك حالاتها- يوما مميزا للاحتفال في المجتمعات الزراعية عبر تاريخ البشرية.
ففي بلاد فارس كانوا يحتفلون بذلك اليوم ويسمونه “شب يلدا” (Shab-e Yalda) ويعني (ليلة يلدا) وفي الصين وأيضا في هونغ كونغ وتايوان واليابان وفيتنام وكوريا كان يسمى “دونغتشي” (Dongzhi)، وفي أميركا الشمالية كان السكان الأصليون مثل قبائل زوني وعرقية هوبي يحتفلون به باسم احتفال “سويال” (Soyal).
فما هي الزينة المفضلة بالانقلابات الشتوية القديمة؟ الإجابة هي: النباتات دائمة الخضرة.
ولطالما استخدمت النباتات دائمة الخضرة رموزا للمثابرة في الحياة خلال فصل الشتاء الموحش، ووعدا وأملا بعودة الشمس، سواءً كان ذلك عبر جمع أغصان النخيل للاحتفال بالآلهة رع في ممالك مصر القديمة (الفرعونية)، أو أكاليل الزهور في عيد الآلهة ساتورن (آلهة الحصاد) في الأساطير الرومانية.
عيد الميلاد يطل بتؤدة
في ذلك السياق القديم، جاء عيد الميلاد متأخرا جدا، إذ لم يحدد موعد له في روزنامات الشعائر الدينية إلا بعد قرن من ولادة نبي الله عيسى المسيح (صلى الله عليه وسلم) ولم تظهر كلمة “كريسماس” (Christmas) الإنجليزية -وهي اختصار لفظة “قداس المسيح” (Christ’s Mass)- إلا بعد مرور أكثر من ألف عام على الحدث الأصلي (ميلاد المسيح عليه السلام).
ولما كان يوم 25 ديسمبر/كانون الأول يوم عيد مسيحي، فقد نقل العديد من الأوروبيين ببساطة تلك التقاليد من احتفالات الانقلاب الشتوي، والتي كانت تنطوي على مظاهر احتفالية صاخبة. فعلى سبيل المثال، فإن أصل الاحتفال بعيد الميلاد لمدة 12 يوما، والترنم بالتراتيل الشعبية، يعود في الواقع إلى تقاليد مهرجانات الشعوب الجرمانية القديمة (تنحدر من شمال أوروبا).
كما أن استخدام النباتات دائمة الخضرة -وعلى الأخص شجرة عيد الميلاد- يعد الأثر الباقي الأكثر وضوحا لاحتفالات الانقلاب الشمسي القديمة الموروثة عما قبل المسيحية.
ورغم أن الترنيمة الشهيرة التي تغنى بها الشاعر والمؤرخ الألماني إرنست أنشوتز عام 1824، وخص بها شجرة التنُّوب، تُرجمت إلى الإنجليزية باسم (O Christmas Tree) وتعني (يا شجرة عيد الميلاد) فإن عنوان النغمة الألمانية الأصلية هو ببساطة (Tannenbaum) أي شجرة التنُّوب. ولا توجد أي إشارة إلى عيد الميلاد في الترنيمة، بل إن أنشوتز اعتمد في ترنيمته على أغنية حب شعبية أقدم بكثير من تراث شعوب سيليزيا التي تتقاسمها حاليا ألمانيا وبولندا والتشيك.
وحفاظا على تقاليد الاحتفالات القديمة بالانقلاب الشمسي، تشيد الأغنية بقوة تحمل الشجرة -التي أصبحت شجرة عيد الميلاد لاحقا- خلال الشتاء المظلم والبارد.
ردة فعل عكسية
أعطى البروتستانت الألمان -المتحمسون لإزالة الأيقونات (التماثيل) والقطع الأثرية الخاصة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية في القرن الـ 16- دعما كبيرا لفكرة شجرة عيد الميلاد عندما استخدموها لتحل محل مشاهد ولادة المسيح (المهد). ويُزعم أن المصلح الديني مارتن لوثر (1483- 1546) تبنى هذه الممارسة وأضاف إليها الشموع، بحسب الروائي الكندي تروي بيكهام.
لكن بعد قرن من الزمان، استاء الإنجليز التطهيريون (البيوريتانيون) من العطلة غير المنتظمة لافتقارها إلى شرعية العهد القديم، فحظروها في خمسينيات القرن الـ17، حيث قام الجنود بدوريات في شوارع لندن بحثا عن أي شخص يجرؤ على الاحتفال باليوم.
وفعل المستعمرون البيوريتانيون (مذهب مسيحي بروتستانتي ينادي بإلغاء الرتب الكهنوتية ويتبنى تقاليد اجتماعية محافظة) في ولاية ماساتشوستس الأميركية الشيء نفسه، عندما فرضوا غرامة على “كل من يُعثر عليه وهو يحتفل بعيد الميلاد أو ما شابه، سواء بالامتناع عن العمل أو للهو الصاخب أو بأي طريقة أخرى”.
وقد كان للهجرة الألمانية إلى المستعمرات الأميركية الفضل في أن يترسخ تقليد استخدام الأشجار في العالم الجديد. وقدر الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين (1706- 1790) أن ما لا يقل عن ثلث السكان البيض في ولاية بنسلفانيا كانوا ألمانا قبل الثورة الأميركية.
ومع ذلك، ازدهر التقليد الألماني لشجرة عيد الميلاد في الولايات المتحدة إلى حد كبير، إذ يعود نسب العائلة الملكية البريطانية إلى ألمانيا الجرمانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى