مقال

الدور الجديد للدبلوماسية الأكاديمية الرسمية وغير الرسمية للمنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية

جريدة الاضواء

الدور الجديد للدبلوماسية الأكاديمية الرسمية وغير الرسمية للمنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية

تحليل للدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

تلعب مراكز الفكر والأبحاث الصينية دوراً مهماً فى صناعة القرار السياسى من خلال وضع الرؤى العامة لصياغة القرارات السياسية والتنموية الهامة فى الدولة الصينية، ونجد هنا دخول وإنضمام مراكز الفكر والأبحاث الصينية الموسوعة العالمية لأفضل مراكز الفكر والأبحاث فى العالم متفوقة على عدد كبير من مراكز الفكر والأبحاث الأمريكية والغربية. فقد دخلت التصنيف العالمى لأفضل مراكز الفكر الصينية حول العالم سبعة مراكز دراسات صينية، وإحتلت المراتب العالمية الأولى، وأبرزها:

(معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، الأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية، معهد الصين للدراسات الدولية، مركز بحوث التنمية بمجلس الدولة، معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية لجامعة بكين، مركز الصين والعولمة، معهد شنغهاى للدراسات الدولية)

كما تم تأسيس (إتحاد تعاون الدول البحثية لمبادرة “الحزام والطريق”)، وذلك فى ٨ إبريل ٢٠١٥، والذى يتعاون مع معظم المراكز البحثية داخل الصين لدراسة مبادرة “الحزام والطريق” ومشروعاتها. وقد تم الإعلان الصينى رسمياً عن تدشين وإفتتاح (لجنة لتعاون المراكز البحثية الدولية لدول “الحزام والطريق”) فى العاصمة بكين برعاية مشتركة من ١٥ مركزاً بحثيا صينياً وأجنبياً وأفريقياً. وهنا تزداد قوة المراكز البحثية التي تعمل على دراسات مشروعات مبادرة “الحزام والطريق” فى تحقيق التنمية الصينية حول العالم وتسهيل التواصل الأكاديمى والبحثى والمعرفى بين الصين والعالم، ولا شك أن تلك المراكز البحثية باتت تلعب دوراً أكبر فى تعميق التواصل السياسى والتواصل الشعبى فى بناء “الحزام والطريق الصينى” فى المستقبل.

وفى الوقت الحاضر، تلعب مراكز الفكر والأبحاث الصينية دوراً جديداً ومؤثراً، خاصةً بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق الصينية فى عام ٢٠١٣، من خلال ممارستها الجديدة، لما يعرف ب “الدبلوماسية الأكاديمية”، وهى المنوط بها إرسال خبراء وأكاديميين صينيين من العاملين فى المراكز الفكرية الصينية ذات التخصصات المختلفة، من قبل وزارة الخارجية الصينية أو غيرها، إما لمعرفة آفاق تسوية أو المشاركة فى وساطة أو مفاوضات حول أزمات سياسية معينة، ويكون ذلك بشكل رسمى أو غير رسمى، بشكل معلن أو فى مسار موازى، وأحياناً يتم تكليف هؤلاء الباحثين والأكاديميين الصينيين للمشاركة فى مؤتمرات دولية للإطلاع على أحدث المعلومات والأطروحات السياسية لخدمة أهداف صانع القرار السياسى فى بكين.

والمثال الأكثر تطبيقاً على ذلك، هو ما أعلنه الحزب الشيوعى الحاكم فى بكين عام ٢٠١٥، بتطوير ما بين ٥٠ إلى ١٠٠ مؤسسة بحثية صينية بحلول عام ٢٠٢٠، فضلاً عن دعوة الحزب الشيوعى الصينى بشكل خاص لتنمية مراكز الفكر المتخصصة فى القضايا والسياسات الإستراتيجية والمتعلقة بدراسات الحزام والطريق. كما تعمل الصين حالياً وعلى نطاق واسع على إفتتاح مراكز الفكر خارج الحيز الجغرافى للدولة الصينية من أجل تعزيز التعاون الدولى فى إطار مبادرتها الضخمة للحزام والطريق.

وباتت مراكز الفكر والأبحاث الصينية تلعب دوراً جديداً، يعرف بسياسة الباب الدوار بين الدبلوماسيين أو المسؤولين أو المناصب العليا فى الدولة الصينية وحزبها الشيوعى الحاكم، وبين الخبراء والعاملين فى تلك المراكز الفكرية للأبحاث والدراسات، ذلك من حيث تداول المناصب المختلفة وصولاً لتبوأ مناصب قيادية عليا داخل الحزب الشيوعى الحاكم وفروعه القاعدية والحزبية المختلفة فى كافة المقاطعات والمدن الصينية. بالإضافة لدورها الأهم فى التثقيف السياسى والحزبى للجماهير.

وفى هذا الإطار، نلاحظ أن مراكز الفكر الصينية باتت الآن من أهم الجهات المؤثرة فى عملية صنع القرار، ونلمس ذلك من خلال وصول الكثير من باحثى هذه المراكز للعمل فى قطاعات مختلفة ذات صلة بالحزب الشيوعى الصينى، فضلاً عن دورها الأهم فى الإستشراف للمستقبل بإنجاز الدراسات المستقبلية أو الإستشرافية، خاصةً مع ظهور علم المستقبليات فى العالم والتى أصبحت نتائجها من المتطلبات الأساسية للتخطيط الإستراتيجى ولإتخاذ القرارات الأكثر صواباً فى الدولة الصينية.

وقياساً على ذلك، لعبت أمانة لجنة المتابعة الصينية لمنتدى التعاون الصينى – الأفريقى من خلال عدد من الباحثين والأكاديميين المرتبطين بمراكز الفكر والأبحاث الصينية، وعلى رأسها: (المعهد الصينى الأفريقى، معهد الدراسات الأفريقية فى جامعة تشجيانغ نورمال، مركز جامعة بكين للدراسات الأفريقية) دوراً كبيراً حول دفع روح الصداقة والتعاون بين الصين وأفريقيا والعمل معاً من أجل تنفيذ مبادرات التنمية العالمية، وتحقيق الأهداف الثلاثة التالية، والمتمثلة فى:

أولاً: تعزيز مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وأفريقيا
ثانياً: تسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠

ثالثاً: تعزيز التنسيق بين رؤية التعاون الصينى الأفريقى ٢٠٣٥، ورؤية الصين ٢٠٣٥، وخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، وأجندة أفريقيا ٢٠٦٣.

وقد لعب المنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية دوراً كبيراً وهاماً فى الدبلوماسية الأكاديمية الصينية الجديدة، سواء بشكل رسمى أو غير رسمى، وإتضح ذلك جلياً عبر إجتماعات الدورة الحادية عشرة للمنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية، والذى ناقش فيه الخبراء الصينيين المعنيين من مراكز فكر وأبحاث ودراسات صينية مختلفة التخصصات، أبرز نقاط الإلتقاء بين الصين والقارة الأفريقية وتفعيل ذلك عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية، فى ظل هذا التوقيت الدقيق والحساس، الذى يتعرض فيه السلام فى العالم للتهديد، وتواجه فيه التنمية تحديات كبيرة، خاصةً بعدما أحدثت جائحة كورونا موجات من الصدمات التى إجتاحت الإقتصاد العالمى، وتسببت فى أكبر أزمة إقتصادية عالمية، وأدت لزيادة حادة فى عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها.

لذا، أتى دور الخبراء والأكاديميين الصينيين المرتبطين بمراكز فكر الحزام والطريق الصينية لمناقشة دور الصين وتأثيرات ذلك عبر مائدة مستديرة مع نظرائهم الأفارقة بعد تكوين ما يعرف بالمنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية، والذى يعد نقلة نوعية كبيرة فى مجال التعاون الأكاديمى والبحثى بين مراكز الفكر الصينية ونظيرتها الأفريقية فى العصر الجديد، وفقاً لرؤية الرئيس الصينى “شى جين بينغ”. وهو ما إتضح جلياً كذلك، عبر إستضافة الصين لإجتماعات الدورة الحادية عشرة للمنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية الذى إحتضنته العاصمة الصينية بكين، تحت عنوان “تعزيز روح الصداقة والتعاون بين الصين وأفريقيا من خلال العمل المشترك بشأن مبادرة التنمية العالمية الصينية”.

ومن خلال رؤيتى التحليلية كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، وجدت أن دور مراكز الفكر والأبحاث الصينية فى الشئون الأفريقية بات كبيراً فى دفع عجلة التعاون والتنسيق بين الجانبين، وذلك عبر المنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية، والذى تم إطلاقه وإشهاره بشكل رسمى لتفعيل التعاون البحثى والأكاديمى المشترك بين الصين وأفريقيا. وكان أكثر ما إستوقفنى على المستوى الشخصى والتحليلى والأكاديمى، هو ما تم فى نوفمبر ٢٠٢١، من إجتماعات ونقاشات مثمرة ومستفيضة بين خبراء المنتدى الصينى الأفريقى للمراكز الفكرية سواء الصينيين ونظرائهم الأفارقة، وهو ما تم مناقشته بإستفاضة على مدار يومين كاملين من الحوارات والنقاشات بين الطرفين، وبحضور أكثر من ٢٠٠ مشارك من المسئولين والمختصين الأفارقة والصينيين، بالإضافة إلى مشاركة حوالى خمسين خبيراً وأكاديمياً وباحثاً مختصاً يمثلون كافة مراكز الفكر والأبحاث الصينية والأفريقية ذات الصلة بموضوعات النقاس، من حوالى ١٩ دولة ومنطقة أفريقية عبر الإنترنت. حيث نوقشت عدة قضايا مهمة بين خبراء الصين وأفريقيا فى سياق علاقات التعاون الإستراتيجى الشامل بين الصين والأفارقة، ومناقشة نتائج ما تمخض عن المؤتمر الوزارى الثامن لمنتدى التعاون الصينى- الأفريقى، والذى عقد بالعاصمة السنغالية “داكار” فى شهر نوفمبر من نتائج مهمة، وما طرحته بكين من برامج ومبادرات جديدة للتنمية المستقبلية للعالم.

وهذا ما أكده نائب وزير الخارجية الصينى “دينغ لى”، بأن مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الصين للتنمية العالمية ومنتدى التعاون الصينى الأفريقى “فوكاك”، هى إستجابة صينية للمساهمة فى التنمية العالمية، فضلاً عن تنمية القارة الأفريقية، وهذا ما تم مناقشته بإستفاضة من خلال خبراء الصين وأفريقيا عبر عدة إجتماعات ولقاءات وموائد مستديرة بين الطرفين، ونقل ما تم الإتفاق عليه إلى صناع القرار لدى الطرفين.

ومن هنا، سنجد أن لمراكز الفكر والأبحاث الصينية المرتبطة بأفريقيا دوراً كبيراً فى صناعة والتأثير على القرار السياسى لبكين وقيادات الحزب الشيوعى الحاكم فيما يخص بعنصر التنمية فى القارة الأفريقية، حيث تعد أفريقيا بالنسبة للصينيين نموذجاً مهماً لتعزيز التعاون بين دول الجنوب، فضلاً عن كونها نموذج للتعاون الإنمائى العالمى الذى تروج له الصين فى أفريقيا والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى