مقال

الفساد أصيل في البنية الرأسمالية

جريدة الاضواء

الفساد أصيل في البنية الرأسمالية
كتب / يوسف المقوسي

أصاب الفلسطينيين هلعٌ كبيرٌ جراء زلازل شباط/فبراير 2023. تتحالف ضدهم كوارث من صنع البشر وأخرى طبيعية.. بعضها من صنع النظام السياسي-الاقتصادي، وبعضها من صنع الأقدار.
هنا ينبري السؤال الآتي: هل تحالفت قوى السماء والأرض وما في باطن الأرض لسلب ما يملكون، وما كانوا يملكون من الأشياء المادية، ومن سوية عقلية أو استقرار نفسي، إذ دخلوا المصير المجهول من بابه الواسع. يدخلون هذا الباب ويصلون الى الآتون وهم “منتوف ريشهم”، خائرة قواهم. يخضعون لإذلال الطبيعة لهم، كما إذلال طبقة حاكمة لا تقل عن زلازل الطبيعة قسوة عليهم وهزءاً بهم وسخرية منهم!

الزلزال الطبيعي ينتج عن تصادم ما تحت الأرض يُفرّغ طاقات هائلة، أما عندنا فالصدام بين أحزاب المجتمع هو ما يؤدي الى فقدان الحيوية لدى المجتمع، عدا الطاقات التي تتجمّع لدى الطبقة الحاكمة بما يجعلها قادرة على سلب المجتمع مادياً وروحياً. وكلاهما ينتج عنه خراب ودمار وقتل وتشريد.

على كل حال، زلازل الانقسامات والاغتيالات والسلب ثم الإفقار المفاجئ لا تقل فداحة عن زلازل الطبيعة، أو لا تقل أثراً وإن اختلفت الطاقة المسببة، كماً ونوعاً. أحد المشتركات بينها هو تجهيل الأسباب والنتائج. يراد لنا أن نبقى في عتمة ليل طويل.

في البلدان الأخرى حيث الزلازل طبيعية، تهرع الدولة وبعض القوى الخارجية للمساعدة، إن كان لغوث الذين فقدوا منازلهم، أو على المدى البعيد لإعمار ما تهدم، إضافة للاهتمام اللاحق بمعرفة الإصابات المميتة، خاصة أنه يتعيّن انتقال ملكية العقارات والأموال الى الأحياء، وإلا صارت الملكية نوعاً من المشاع الذي لا يملكه أحد.

هشاشة البناء حيث وقعت زلازل الطبيعة أدت الى ضخامة الخسائر في الأرواح والملكيات، وما ذلك إلا نتيجة تواطؤ السلطة مع أصحاب ومتعهدي بناء العقارات؛ هذا التواطؤ ليس نتيجة فساد وحسب، بل يتعلّق ببنية النظام والعلاقات السائدة في دوائر السلطة، وبين السلطة والطبقة العليا، إذ تعمد هذه الى زيادة أرباحها من عقود البناء بمخالفة القوانين، وأحيانا بالتقيّد بقوانين لم تعد تصلح لمرحلة ازداد فيها السكان زيادة كبيرة، وازداد الطلب على المساكن. زيادة الأرباح تنتج عن خفض الكلفة باستعمال مواد سيئة أو أقل جودة مما يجب، او زيادة أسعار البيع. إن قوانين البناء وتحديثها وإصلاحها وتطبيقها هي في النهاية مسألة وجود وهيبة الدولة. وجودها كدولة لا كمجرد سلطة لأعالي الطبقات، وهيبتها أو بالأحرى جديتها في تطبيق القوانين على الجميع، والأهم من كل ذلك إلتزام السلطة بمصالح شعبها الراهنة والمستقبلية، دون تمييز أو محاباة. إلتزامٌ يعني تطبيق القوانين مع احترام حقوق الطبقات الأدنى، وأهمها السكن.

ما حقّقته دولٌ كاليابان ومثيلاتها يدعو الى الإعجاب، وما حققته دولنا يؤدي الى الاحتقار. احتقار الناس للسلطة واحتقار السلطة للناس، بما يعني فقدان الشرعية. لا يستطيع أهل العلم الحديث، من جيولوجيا وغيرها، توقّع الزلازل بزمانها ومكانها، لكن أهل السلطة يستطيعون توقّع نتائج الزلازل متى حصلت وأخذ الاحتياطات بسن القوانين الملائمة وتطبيقها والتحسّب للطوارئ وأعمال الإغاثة. إن التعاون أمر معروف بعد كل كارثة، لكن جعل التعاون دائماً عن طريق القانون والتطبيق والتدريب أمر واجب وإلا تكون الدولة مستحيلة، والسلطة على غير خدمة الناس، بل بالتواطؤ مع أصحاب الثروات.

الفساد أصيل في البنية الرأسمالية، لكن دولاً يكون فيها الفساد مصاحباً للعمل والإنتاج والخدمة للناس، ودولاً مثل ما هو موجود في منطقتنا يقتصر فيها الفساد على نفسه، فلا عمل ولا إنتاج ولا خدمة للناس، بل لا إهتمام بحياة الناس ومصيرهم؛ فهم في نظر هذه السلطات مجرد قطيع متشكل من رعايا لا لزوم لهم إلا أن يخضعوا. وأحياناً أن يموتوا أو يُهجّروا. سلطات الاستبداد تريد دائماً شعوبها حسب مزاجها وليس أن تكون هي حسب مزاج الناس. يحكمون الناس وكأنهم أموات.

أدت سياسات السلطة عندنا، في فلسطين إلى زلزال إجتماعي يشبه في نتائجه الزلازل الطبيعية في بلدان أخرى. فصيلة الزومبي المتخيلة تتشكّل من أموات أحياء، أموات يمشون على الأرض. صرنا كذلك أحياء لا يرزقون. الذي شبّه ذلك بالجحيم كان محقاً. ربما لم يكن ذلك ما أراد أو تمنى. لكن هذا ما حدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى