دين ودنيا

الدكروري يكتب عن أول مركز للدعوة النبوية السرية

جريدة الأضواء

 

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

لقد كان اهتمام الصحابى الجليل الأرقم بن أبى الأرقم رضي الله عنه في روايته بذكر عدد الرجال دون النساء، وواقع الأمر أن مردّ ذلك إلى أنه كان يذكر موقفا تاريخيا مهمّا معتمدا على عدد الرجال وحدهم، وهو موقف الإعلان الذي قام به المسلمون بعد إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومِن قبله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، حيث خرج المسلمون وكان للمرة الأولى، في صفين متجهين إلى الكعبة، ومُعلنين إسلامهم أمام الجميع، وبالطبع لن تخرج النساء في هذا الإعلان، لكي لا يتعرضن للإيذاء من مشركي مكة، لذا كان تقدير الخروج من عدمه معتمدا على عدد الرجال دون النساء، وهذا الذي دعا الأرقم رضي الله عنه إلى أن يذكر عدد الرجال فقط. 

وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم مقرا سريا لدعوته، والحفاظ على أصحابه وتربيتهم وإعدادهم، بعد المواجهة التي حدثت بين سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه وقريش، وقال ابن إسحاق “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شِعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام ” ومن ثم أصبحت دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه.

مركزا للدعوة السرية، يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل جديد من الوحي، ويتربون على يديه صلى الله عليه وسلم، ولقد مرت الدعوة النبوية الشريفة بمرحلتين أساسيتين، وهما مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك، فكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم هي المكان المناسب لذلك، والسرية في بداية الدعوة، كانت لضرورة فرضها الواقع، وإلا فالأصل هو بيان دين الله وشرعه للناس جميعا، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى، أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري في دار الأرقم رضى الله عنه. 

إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها، وهكذا يقول تعالى فى كتابة العزيز فى سورة يوسف “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون” ومن خلال هذه المرحلة كغيرها من مراحل سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ظهرت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يهتم بالتخطيط الدقيق، ويحسب لكل خطوة حسابها، فقد كان مدركا أنه سيأتي اليوم الذي يؤمر فيه بالدعوة علنا وجهرا، وأن هذه المرحلة سيكون لها شدتها وصعوبتها على المسلمين، ومن ثم فحاجة الجماعة المؤمنة تقتضي أن يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم، المعلم والمربى، مع أصحابه، ليعلمهم ويربيهم ويشحذ هممهم، ويعدهم ليكونوا بناة الدولة المسلمة، وحملة الدعوة، واللبنة الأولى التي قام عليها هذا الصرح العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى