القصة والأدب

عميد الأدب السوداني الذي ربح محمود شاكر ولم يخسر طه حسين

عميد الأدب السوداني الذي ربح محمود شاكر ولم يخسر طه حسين

عميد الأدب السوداني الذي ربح محمود شاكر ولم يخسر طه حسين

 

بقلم د : علاء جانب 

 

هناك أساتذة لا نجلس بين يديهم تلاميذَ ؛ بشكل تقليدي لنأخذ العلم مكافحة، ومشاهدة، وسماعا

لكننا نُتَلمذُ لهم على بعد المسافة زمنية أو مكانية؛ فقد تجد من الأساتذة مَن لايقوم بحقّ أبوة العالم مع المتعلمين حدباً عليهم وتلطفاً بهم..

على أنك واجدٌ في بعض الكتب عوضًا يجعلك تشعر بالامتنان والفضل لأرواح أصحابها ..

وأنا واحد من الذين لا يستقيمون بالعصا والإرهاب في التعليم .. وما تفوقت منذ صغري إلا في العلوم التي أحببت معلميها ..

ولا أخفيكم سرا ..

لقد وجدت الحب واللطف من أساتذتي في كل مراحل التعليم إلا في النزر اليسير وجدت منهم غير ذلك سامحهم الله وغفر لي ولهم ..

الآن أتذكر طه حسين العميد، ومحمود شاكر العلامة الفذ ، والعقاد الكبير ، والرافعي الجهير، والمازني الفكه ومحمد عمارة ، ومصطفى محمود ، وفهمي هويدي والأستاذ الشيخ القطب الرباني محمد زكي الدين إبراهيم ، وأسماء كثيرة جدا جدا لا أستطيع حصرها .. شكلت ملامح وجداني وحفرت لي في الصخر طريقا ممهدا للفكر والنقاش والمنهج والبرهان وربط المسبب بالسبب مما هو من أصول الفكر المستقيم غير المنحرف ..

لكن لا أدري لماذا يتملكني شعور بالحنين إلى لقاء رجل ما لقيته في الواقع ؛ لبعد الشقة ماديا، ومعنويا عليّ وأنه توفاه الله قبل أن أمثل بين يديه لأنهل من عبقريته وعلمه إذ توفاه الله في عام ٢٠٠٣ وأنا أحارب الأيام لأحصل على الدكتوراه في زمن مجدب مليء بالمحن والابتلاءات ..

ذلكم هو البروفسيور عبد الله الطيب عبد الله أو عبد الله الطيب المجذوب .. الولي الصالح المتصوف الرباني ..

لقد كان مجذوبا بلغة العرب

لقد كان مجذوباً بالشعر

لقد كان مجذوباً بالعلم

وقد كان مجذوباً بالحب

الشاعر والناقد والكاتب والمترجم والأكاديمي والمفسر والعالم الذي لم أعرف له مثيلا في قوة ذاكرته وسلامة ذوقه ورجاحة فكره واستقامة منهجه

كتب الشعر والرواية والمسرح والنقد وفسر القرآن بلهجة السودان الدارجة ولا أدري أيهما سبق الآخر في ذلك آلشعرواي أم هو؟!

لكنه شرحه بلهجة سهلة لمن وراء خط الاستواء من جماهير مسلمة كانت تتعطش إلى مثل هذا التبسيط..

وتتناساها الأقلام والهمم فيما تتناسى

جوانب المجذوب كثيرةٌ وكل ناحية منها مغريَةٌ جاذبة تناديك كأجمل ما يكون النداء ..

رجل خفيف الظل لطيف الروح رقيق الطبع

وهو رجل عنيد مثابر لا يترك ظرفاً مهما كانت قوته ليتحكم في سير حياته..

ينبت عوده ويشتد في السودان .. ليورف ويونع في بريطانيا حيث يرجع بالدكتوراه في الأدب عن شخصية غاية في التعقيد والجدل هي شخصية أبي العلاء المعري ، وليكون أصغر عضو في مجمع الخالدين بالقاهرة ثم رئيسا لمجمع اللغة العربية بالسودان

ويعيد قصة صديقه الدكتور طه حسين وقد كان يجلّه كثيرا ويجلّ محمودَ شاكر … فيتزوج من السيدة جريزيلدا الطيب الإنجليزية الأصل والتي أسلمت وسمت نفسها جوهرة .. وهي سيدة فاضلة ما زالت تعيش على ذكرى زوجها الذي آمنتْ بعبقريته حارسا أمينًا على تراثه الفكري والأدبي والإنساني ..

عرفت الطيب أول ما عرفت من كتابه الفارق ” المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها” ولا أبالغ إن أنا قلت إن فهم موسيقا الشعر قبل الكتاب غير فهم موسيقا الشعر بعده على الأقل بالنسبة لي ..

لم يكن الطيب في الكتاب مجرد صاحب فكرة يريد طرحها بأسلوب رشيق أخاذ -فقط-

بل كان الطيب مستشعرا مسؤولية تجاه أمّته الإسلامية والعربية ومستشعرا أمانة الأستاذية ؛ فهو يربّي ذوقا ويعلم علماً، وينمّي فكرا.. يبث الاعتزاز بالأصل ويشير إلى الانفتاح على الآخر ..

تلمس ذلك عنده في كثرة النماذج الشعرية التي اختارها بذوق مدرب راق لتكون تعليما وتدريبا وتربية للوجدان فتعرف منها وطنا ودينا وخلقا وتستفيد أخلاقا

لا تجد عنده ثقافة الاختناق والزمجرة والعراك والاشتباكات الإرهابية التي نجدها عند بعض الكتاب والمفكرين.. الذين يستخدمون أقلاما من ديناميت وكلمات من آلات حادة ..

بل تجد روحا لطيفا ومعلما صبورا خفيف الظل غزير المعلومة حميم الثرثرة دانيا دنوّ صديق ..

تحليلاته الأدبية علمتني كيف يكون التعامل مع الفن ورموزه واستنطاق ما فيه ..

ربطه بين البحور وموضوعاتها ووصفه لكل بحر بما يحس به تجاهه ..

ويكفي ان تعلم أن تسمية شاكرٍ كتابه “نمط صعب ونمط مخيف ” كانت اقتباسا من وصف عبدالله الطيب لبحر المديد في كتاب “المرشد ” بهذا الوصف قال ذلك العلامة محمود شاكر في كتابه..

أخشى أن المقالة طالت .. وسأتبعها بعد ذلك بشيءٍ عن نتاج الرجل .. عسى أن نجد من شباب الباحثين مشروعا يعنى بالإحاطة بفكر وأدب وكتابة المفكر الأديب أستاذي الذي لم أره ولكني أدين له بالكثير ..

اللهم ارحم عبدك عبدالله الطيب المجذوب واجمعنا به في مستقر رحمتك مع كل أحبابنا الذين سبقونا وصلى الله وسلّمْ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى