مزيد

ليس عند التاريخ وقت ليكون عادلاً

جريدة الاضواء

ليس عند التاريخ وقت ليكون عادلاً

كتب / يوسف المقوسي 

التاريخ يظهر انه وحشي، كئيب، مأساوي. قلما يصدق. وفي معظم الاحيان، يميل الى المنتصرين. التاريخ منحاز جداً. المغلوبون يغيَّبون والمنتصرون يتربعون بأسمائهم فوق الأزمنة المتناسلة. إنه دعوة إلى الكآبة ونزوع إلى المأساوية.

تاريخ البشرية كئيب ومأساوي جداً. المنتصرون يتصفون بالفجور. الخاسرون في الظل والعتمة. تاريخ البشرية لا إنساني. إنه موحش وشرير. المهزوم منفي يعيش في الظلمات كميت دائم. لذا، قيل إن الحياة منصة الفائزين ولو كانوا قتلة.

 

لم كل هذا الكلام اليوم؟ هو يصلح للماضي البعيد. هناك ادعاء بأن الماضي كان همجياً. صح. ماذا يقال عن الحاضر وما قبله بقرن. إنه التوحش المعولم وهو تكريس لمقولة صعبة التصديق:”الإنسان مسكون بطاقات مدمرة، أبرزها التسلط. وعليه، فإن الدولة، أي دولة، منذ بدء التاريخ حتى لحظة الحرب الروسية الأوكرانية، هي مجموعة “الارادات الشريرة”. لذا يجب الابتعاد عن المستحيل: اختراع دول عادلة، اخلاقية، انسانية. مثل هذه الدول فاشل وقوامها كرتون وضعف وهزال. تاريخ البشرية شاهد على فوز الشر على الخير. الجنس البشري يعيش في جحيم مستدام. فالشر يغلب الخير. الشر سهل ومدار فخر، لأن الانسان يفتخر بقوته وماله وارتكابه. كذلك الدول، عندما تروي تاريخها، تُعدد معاركها. وعندما تحتفل بانتصاراتها الكريهة، تستدعي من يغسل الدماء، ليُضفي على السلطة مدائح القوة .

 

إن ارتكاب الشر سهل وامتهان الخير ضعف والاخلاق ترف والايمان بأن الانسان موعود بالسعادة هو فصل من فصول الخرافة.

خلاصة القول: الحرب حاضرة ومستدامة وعامة وعابرة للأزمنة والقارات والمبادئ والديانات . انها غضب مبارك من ابالسة السياسة واصحاب الفضيلة والسماحة والقرصنة والمال.

لا مناعة ضد الحرب. لذا يمتنع السلام.

 

آخر الحروب الحديثة نعيشها عبر شاشات التلفزة. مشاهد عن الحرب وصور عن احزان وخوف ونساء واطفال ورعب وآلام وضياع وذهول. وكأن الأرض استحالت جحيماً. والغريب أن العالم المتفرج فقط، منحاز، وانحيازه فوري ومبصوم ومفهوم. المعسكر الروسي التم بسرعة. المعسكر الاوكراني شهر حربه الاقتصادية. لم يتغير شيء البتة. هنا من هو مع اميركا واوروبا واوكرانيا. وهناك من هو في معسكر موسكو…

 

الردح الاعلامي ظاهر. هناك كما في كل انحاء العالم. الحرب الاعلامية فتّاكة جداً، والحرب الاقتصادية مخربة ومنحطة كثيراً. الندرة صارت كثيرة الحضور. الغذاء في خطر. الجوع على الابواب. الموت في كل مكان. العبث مرارة النفوس. مشاهد الهاربين جارحة. الغريب، أن هناك من ينكر الحقائق الدامغة. لا يشفق على المرعوبين، نساء واطفالاً وشيوخاً. يهمهم فقط أن يرضي اميركا ويخضع لها. او يقف إلى جانب بوتين وروسيا، مع دعم اقواله ومواقفه على العمياني.

 

على الأقل، يجب أن يعترف هؤلاء. أن الاتحاد السوفياتي مات من ثلاثة عقود، وان روسيا هي المنافس الرأسمالي للعالم الغربي. أي ثمة محاولة لإعادة التوازن بين العملاقين، بعدما خر العملاق السوفياتي على وجهه وتناثر غباراً سياسياً، وبات من الماضي السحيق.. على الأقل يجب أن نتصرف جميعاً، أن العالم يُدار بالقوة وليس بالتفاهم والاقناع. اميركا قررت أن تحكم العالم بجزمتها. أن تقود الحكومات بإشارة منها. هي متواجدة في كل حكومات العالم الضعيفة. لا يجرؤ أحد على عصيان اوامرها. أكثر من دولة عربية من هذه الدول التي تنقسم ” شعوبها” بين اصبعين اثنين: أصبع بايدن وأصبع السيد. مع ما في ذلك من ترميز لحالة السياسة في معظم انحاء الكرة الارضية. موسكو لم تعد كما كانت عندما سقطت كآنية الفخار. اقدامها من حديد. صلبة المواقع والمواقف. لا تقبل بأن تقاد ابداً. تريد لها مقعداً في ادارة العالم. عالم بقطب واحد مستحيل. عالم متعدد الاقطاب، توزيع للصراع والنفوذ.

 

انتهت حرب العقائد الكاذبة. كل عقيدة تلجأ إلى الحرب واستعمال القوة تخسر عقيدتها وتكتفي باحتلال ونصرة السلطة والحزب المتسلط. العقائد لا تنجح وحدها. انها بحاجة إلى دينامو يضخ فيها القوة، ولا قوة ابداً تضاهي قوة الرأسمال.

انه زمن صراع الرأسماليات في العالم. الماركسية لوحت مودعة، أفلت. ماضٍ مضى مهزوماً. الشعارات المثالية كذبة. الحرية، العدالة، المساواة، الحوكمة، التنمية، التقدم.. هذه ليست لكل الناس والجماعات. الرأسمالية هي دين البشرية، والاديان والعقائد لا تغفل هذا الموقع الذي تحتله الرأسمالية المجرمة.. لا يهمها ذلك. فضيلتها انها تنجح وتسحق. الحروب تنتقل من قارة إلى قارة. في كل منعطف بؤرة مستقلة. لم تشتعل بنفسها، هناك من أشعل وقودها .

 

انه انقلاب تاريخي مشين. العالم يتقدم من الى، عبر اهتزازات ارضية وجغرافية. العالم اليوم على شفا أطراف ودول زلزالية. كأن العالم يتحرك بشكل غير طبيعي. مدفوع بارتجاجات زلزالية، وبراكين قذفت حممها فجأة. الحركة العالمية مصابة بنوبات عصبية وجنونية. الأزمات تتوالد. الحروب تجد من يخدمها من الاشقاء والاشقياء.

 

بحلقوا جيداً في هذا العالم: العرب منتشرون في الخنادق. الدم مجاني. العنف مجنون. القتلى بلا أسماء. ارقام فقط. المسيرة الكبرى اليوم، هي أفدح المسيرات في التاريخ. الفقر يقتل دولا وشعوباً. الشعوب تهج من فقرها وعوزها. افريقيا تتسلل بجرأة إلى اوروبا. اميركا الجنوبية تجتاز الحدود وتصل إلى الولايات المتحدة الاميركية. الحروب الداخلية غرباً، هي حروب ضد الفقراء والمهاجرين.

 

لنتذكر كم حرباً عربية؟ اسرائيلية؟ كم عنفاً؟ كم قتلاً؟ كم تدميراً؟ كم بؤساً؟ فلسطين، منذ مئة عام وهي الضحية ولا تشبهها اية مأساة سابقاً، أقدم الغزاة الغربيون على غزو الهنود في القارة الجديدة. ابادوهم. قتلوهم. سمموهم. ثم اقاموا العدالة الدامية. الأحمر في خدمة الأبيض وإلا… فلسطين كذلك. شذاذ تجمعوا بعد اضطهادات سحقتهم، وانزلوهم في ارض لها شعبها… الشعب ممنوع من الوطن. الغرباء المحتلون يقيمون وطناً وترسانة وجبهة عسكرية مدعومة من الغرب، بأمه وأبيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى