مقال

ما سكت عنه التاريخ الإسلامي

 
بقلم د/ شيرين العدوي
يذكر لنا التاريخ أن تونس كانت تعد ثاني قاعدة عربية بالمغرب الأدنى بعد القيروان، وكان في موضع المدينة قرية صغيرة عرفت قديما باسم ” ترشيش” أسسها حسان بن النعمان. الهدف من تأسيسها تأمين القواعد البحرية للمسلمين، ومواجهة الأساطيل البيزنطية التي تروم استعادة نفوذها في المغرب، حيث استطاع حسان تحويلها إلى مدينة كبيرة اشتُهرت بمينائها.
وقد أورد صاحب الاستبصار روايتين: يذكر في الأولى أنها لم تسم تونس إلا في أيام الإسلام؛ حيث كان بقرية ترشيش صومعة راهب، تنزل بإزائها سرايا المسلمين، وتأنس بصوت الراهب فيها، فيقولون هذه صومعة تؤنس فلزمها هذا الاسم، فسميت تونس. ونجد لدى المؤرخ البكري مروية أخرى تذكر أن ببحر رادس خرق الخضر عليه السلام السفينة، وأن الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا والمذكور في سورة الكهف في القرآن الكريم هو الجندلي ملك قرطاجنة، فخرق الخضر السفينة ببحر رادس، وقتل الغلام بطنبذه وهي اليوم تسمى المحمدية وهناك فارق موسى الخضر عليهما السلام.
إذا وضعنا هذين الخبرين المتعلقين بالمكان بجانب خبرين آخرين متعلقين بأهل تونس وهما خبر ورد عند صاحب الاستبصار يقول فيه عن أهل تونس : ” وأهلها موصوفون بالقيام على الولاة؛ يعد لأهلها القيام على أمرائهم نحو 20 مرة، لأنها أكثر البلاد باعة وغوغاء” والخبر الآخر يذكره لنا البكري ومضمونه أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه عبد العزيز وهو وال على مصر أن يوجه إلى معسكر تونس ألف قبطي بأهله وولده، وأن يحملهم من مصر ويحسن عونهم حتى يصلوا إلى تونس، وكتب إلى حسان بن النعمان أن يبنى لهم دار صناعة تكون قوة وعدة للمسلمين إلى آخر الدهر، وأن يجعل على البربر جر الخشب لإنشاء المراكب ليكون ذلك جاريا عليهم إلى آخر الدهر.
إذا تأملنا الأخبار وقارناها نجد أن التاريخ سكت عن البعد التاريخي للمدينة بإرجاع الملك الذي يأخذ كل سفينة غصبا إلى مدينة تونس، يتفق هذا مع ما ذكره بعض المؤرخين من أن أهل تونس يتصفون بالقيام على الأمراء والخلاف للولاة، فهم أهل بأس وظلم من وجهة نظر هؤلاء المؤرخين الذين كانوا يكتبون لإرضاء السلطة وبدافع سياسي، إن ما سكت عنه التاريخ هنا هو أن أهل تونس كانوا يقاومون الفتح الإسلامي بشدة وهذا حقهم في الدفاع عن أرضهم؛ يدعم هذا كتاب عبد الملك بن مروان إلى حسان بن النعمان أن يجعل جر الخشب لإنشاء المراكب على البربر إلى آخر الدهر، إن جملة لآخر الدهر تدل على أن ذلك عقابا لهم لتمردهم، ويؤكد على المقاومة الشعبية التي كانت دائرة هناك.
أما عن الرواية الخاصة بالاسم فهي تدل على تواجد العنصر المسيحي بكثرة، وربما لم تكن هناك صومعة واحدة لراهب واحد؛ فما يتفق مع العقل، بل إن الخبر يذكر لنا أنهم كلما مضوا في جنبات القرية سمعوا تراتيل الرهبان فأنسوا لها، يدعم هذا طلب الخليفة مروان أن يحمل 1000 قبطي من مصر ليعينوا المسلمين في بناء السفن، فالنص يشير إلى أن القبط هنا غير مسلمين، فلو كانوا مسلمين لكتب ليعينوا إخوانهم ، ولكنه قال ليعينوا المسلمين مما يعني أنهم غير مسلمين ، والمعروف أن الديانة المسيحية كانت منتشرة في مصر آنذاك ، مما يكشف لنا أنه ربما كان معهم الرهبان ليعينوهم على انتقالهم كما يخرج في العصور الحديثة شيخ مع البعثات للخارج ، و1000 قبطي سيعملون فهي بمثابة بعثة حقيقية حيث ستكون الإقامة طويلة، وعليه فلابد ممن يعين هذه البعثة على دينهم.
لقد كان هؤلاء الرهبان يرفعون أصواتهم بتراتيلهم حتى أنس المسلمون لها فسموا المكان يؤنس وحرف حتى صار تونس ، ومما سكت عنه التاريخ هنا أن المسيحيين كانوا يمارسون طقوسهم بمنتهى التسامح من قبل المسلمين ولم يكن يمارس عليهم قمع أو منع في مباشرة عبادتهم. كما يؤكد أن أهل مصر كانوا أهل مهارة في صنع السفن فتاريخ التجارة عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر والنيل جعل من مصر مركزا مهما في إتقان هذه الصناعة وقد أثبت التاريخ أن هذه الصناعة كانت موجودة منذ المصريين القدماء وأنهم أهل صناعة ودراية بها، ومراكب الشمس الموجودة في متحف الأهرامات خير دليل، كما أن هذا الخبر إن دل على شئ فإنه يدل أيضا على أن القيادة آنذاك كانت تدرس البلاد جيدا وصناعاتهم وتوجهم بما يخدم مصالح الشعوب في كل بقاعها المفتوحة، كما يؤكد على أن الفكر قد تغير بعد أن كان العرب يرهبهم البحر وركوبه أصبحوا يؤمنون أنفسهم ويعدون العدة لما كان يرهبهم لملاقاة أي غزو خارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى