مقال

غذاء الأرواح ودواء الأبدان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن غذاء الأرواح ودواء الأبدان

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم، الذي كان صلى الله عليه وسلم رحمتة عامة للكائنات وكان رحمتة خاصة لمن آمن برب الأرض و السماوات فقد كان صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا في كل أحواله وأقواله، فكانت رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته في التشريع، فنجد إن التشريع الإسلامي مبناه على الرحمة بالمكلفين حيث يقول الله تعالى ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” ويقول الإمام السعدي رحمه الله، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى ” ما جعل عليكم في الدين من حرج ” فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان.

 

وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، وكما كانت رحمته صلي الله عليه وسلم في الصلاة، فيا أيها الناس يسروا ولا تعسروا، وخففوا ولا تطولوا، مع المحافظة على أركان الصلاة وسننها واستجاب الصحابة رضي الله عنهم، فكان عبد الرحمن بن عوف يقرأ بأقصر سورتين في القرآن ” إنا أعطيناك الكوثر” و “إذا جاء نصر الله والفتح” واقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه أنس بن مالك رضي الله عنه ” ما صليت وراء إمام أخف صلاة، ولا أتم صلاة من رسول الله صلي الله عليه وسلم”

 

وكما كانت رحمته صلي الله عليه وسلم بالأم في الصلاة، وتأملوا أيها المسلمون إلى رحمته صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة التي هي قرة عينه وكان لا يشغله عنها شاغل وعلى الرغم من ذلك يخفف في الصلاة رحمة بالأم إذا بكى صبيها، فعن أبي قتادةَ رضي الله عنه أنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” إني لأقوم في الصلاة أُريد أن أطول فيها، فأَسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهيةَ أن أشق على أُمه ” وكما من صور رحمته صلي الله عليه وسلم بامته انه رخص لهم الفطر في السفر شفقة ورفقا بهم، وهكذا رغب صلى الله عليه وسلم في الفطر للمسافر، ورهب من صيامه إذا لحقته المشقة من الصيام، أو كان في فطره مصلحة ولو دنيوية لا يقدر عليها صائما.

 

وهكذا رأينا الإسلام سمحا كريما رحيما بأهله، لا يحب العنت والمشقة وإن كانت في العبادة، والكيس من أوغل في الدين برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” وقال ابن عمر رضي الله عنهما ” من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ” وكما أنه صلي الله عليه وسلم أرشدنا إلي أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى حين قال “رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم” وقد يقول قائل فما دخل هذه الأشياء بالمشاعر؟ فإن دخل هذا المشاعر أن الأغنام رقيقة وأنها هادئة غير طائشة وليست بعدوانية، فيكتسب الإنسان منها هذه المشاعر بخلاف الجمال والأبقار.

 

فإن فيها من الغلظة والجفوة والقسوة ما فيها، ولذلك يكتسب الإنسان أخلاقا منها فيجفوا ويقسوا، ولهذا نجد أن الجيوش لا تأكل إلا من لحوم الأبقار الجمال والحيوانات القاسية من أجل أن يكتسبوا نوعا من أنواع القسوة ولك أن تفرق بين أخلاق من تسكن السواحل، وبين من يسكن في الجبال فإنك تجد فرقا شاسعا بين هذا وذاك وهكذا أيضا قول النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في حديث أبي هريرة “من بدا جفا أي من سكن الفيافي والقفار والصحاري، ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن” أي يفتتن بهذه الدنيا، وذاك يغفل عن ذكر الله عز وجل، وذاك تجفو مشاعره، ولكن لماذا تجفو مشاعره؟ لأنه صار بعيدا عن الذكر صار يتعامل مع بيئة قاسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى