مقال

النعم ما بين التكريم والإبتلاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن النعم ما بين التكريم والإبتلاء
بقلم/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي اصطفى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من سائر بني الإنسان، وجعل فيه الأسوة والقدوة في سائر الأزمان، وفرض علينا محبته، وجعلها شرطا في صحة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى عليه وعلى أصحابه وسلم تسليما كثيرا، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث القوم، جاءه أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه صلى الله عليه وسلم قال أين أراه السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم ” فإذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة”

قال كيف إضاعتها؟ قال صلى الله عليه وسلم “إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” رواه البخاري في باب من سُئل علما وهو مشتغل بحديثه، فرغم أنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بحديثه، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينسي هذا السائل ولم يهمله، إنما كان صلى الله عليه وسلم مهتما به فأجابه على سؤاله لما فرغ من كلامه، وهذا الاهتمام يكشف عن الخلق السامي الرفيع من رسولنا الكريم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، وإن مما يخفى على كثير من الناس أن النعم ابتلاء، فيظنونها تكريما من الله لهم، لا اختبارا لشكرهم، فيسيئون استخدامها، ويغترون بها، ولا يبالون إن كان ذلك يسخط الرب أم لا، فيفسدون ولا يصلحون، وعلى الله يستعلون، وبالله ونعمه يجحدون، وبآلائه يكذبون.

ومن هنا يستثمر العبد هذا الابتلاء بالتوبة والرجوع إلى الله، وترك الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات والعبادات، وعلى المسلم أن يبذل الأسباب الشرعية والمادية ليدفع عنه البلاء، فإذا ابتلي في جسده بحث عن العلاج، وإذا ابتلي في رزقه مشى في مناكب الأرض يبحث عن العمل، وإذا ابتلي بتسلط ظالم دفعه بكل الوسائل الممكنة، ولا يستسلم لذلك بحجة أنه ابتلاء، فقال تعالى فى سورة الشورى ” ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل” وإذا كان الابتلاء للمجتمع والأمة بشكل عام، سواء كان بالاختلاف والتفرق، أو الأزمات الاقتصادية، أو بتسلط العدو، أو بالأمراض والأوبئة، أو بالكوارث، وغيرها، سارع الجميع إلى التعاون والتراحم والتآلف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النفع.

وسعى الجميع إلى رأب الصدع، وإصلاح الوضع، وقول كلمة الحق، وبذل كل واحد من الأسباب ما يستطيع، ونأى كل واحد بنفسه عن أن يكون سببا في إثارة النعرات، وإزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وترويع الآمين، فيلقى الله وهو عليه غضبان، وأيضا فعلى الجميع التضرع إلى الله والدعاء بأن يرفع البلاء، ويلطف فيه، ويكتب الأجر والثواب، وإن من أسماء الله الحسنى العليم الحكيم، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله سبحانه وتعالى وما يجري به قضاؤه وقدره،لا يخلو من العلم والحكمة، ومن سنن الله في كونه وقوع الابتلاء بالمخلوقين ، وذلك اختبارا لهم، وتمحيصا لذنوبهم وتمييزا بين الصادق والكاذب منهم وأكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى