مقال

قوموا بما أمركم الله به

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن قوموا بما أمركم الله به
بقلم / محمـــد الدكـــروري

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، الذي قال عنه جرير بن عبدالله البجلي ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسّم في وجهي، وجرير يفتخر بهذا العطاء ويعلن هذا السخاء، فهذه البسمة الوارفة الدافئة الصادقة أجلّ عند جرير من كل الذكريات وأسمى من كل الأمنيات، فيبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه فكفى، يملأ روحه برا وحنانا ولطفا، ويشبع قلبه سماحة ورحمة وودا، والرسول صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جفّ خلقه ويبس طبعه وتجهّم محيّاه وعبس وجهه، وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة، فكان صلى الله عليه وسلم يضحك في مناسبات حتى تبدو نواجذه، ولكنه لم يستغرق في الضحك حتى يهتز جسمه أو يتمايل أو تبدو لهواته.

وهي أقصى الحق، وقد صحّ عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم ” وإيّاك والضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب” رواه أحمد، وقد ورد أنه مازح بعض أصحابه فقال صلى الله عليه وسلم له أريد أن تحملني يا رسول الله على جمل، قال صلى الله عليه وسلم ” لا أجد لك إلا ولد الناقة” فولّى الرجال فدعاه وقال صلى الله عليه وسلم ” وهل تلد الإبل إلا النوق؟” أي أن الجمل أصلا ولد ناقة” رواه أحمد، ويروى أن عجوزا أتته صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا يدخل الجنة عجوز” فولّت تبكي، فدعاها وقال صلى الله عليه وسلم ” أما سمعت قول الله سبحانه وتعالي ” إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا” بل كان ضحكه صلى الله عليه وسلم طاعة لربه تعالى.

وفيه من مقاصد الإقتدء والأسوة ما يفوق الوصف، ولم يكن ضحكه عبثا أو لهوا أو تزجية للوقت وقتلا للزمن، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد يا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتفكروا في حكم المولى في تصريف الأمور، وأنه المحمود على ذلك، المثني عليه، المشكور، واعلموا أن ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير، وأن هذه الشدة واللأواء لا بد أن يفرجها من هو على كل شيء قدير، ولا بد أن يبدل الشدة بضدها والعسر بالتيسير، بذلك وعد، وهو الصادق السميع البصير، فعودوا على أنفسكم بالاعتراف بمعاصيكم وعيوبكم، وتوبوا إليه توبة نصوحا من جميع ذنوبكم، وقوموا بما أمركم الله به، وهو الصبر عند المصائب، واحتسبوا الأجر والثواب، إذا أنابتكم المكاره والنوائب.

وكونوا في أوقاتكم كلها خاضعين لربكم متضرعين، وفي كل أحوالكم سائلين له كشف ما بكم ولكرمه مستعـرضين، ووجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق، وانتظروا الفرج وزوال الشدة من الرؤوف الرحيم الخلاق، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج من الرحيم الرزاق، وإياكم أن يستولي على قلوبكم القنوط واليأس، أو تتفوهوا بالكلام الدال على التضجر والتسخط والإبلاس، فإن المؤمن لا يزال يسأل ربه ويطمع في فضله ويرجوه، ولا يزال مفتقرا إليه في جلب المنافع، ودفع المضار من جميع الوجوه، فإن أصابته السراء كان في مقدمة الشاكرين، وإن نالته الضراء فهو من الصابرين، يعلم أنه لا رب له غير الله يقصده ويدعوه، ولا إله له سواه يؤمله ويرجوه، ليس له عن باب مولاه تحول.

ولا انصراف، ولا لقلبه تلفت إلى غيره، ولا تعلق ولا انحراف، لا تخرجه السراء والنعم إلى الطغيان والبطر، ولا يكون هلوعا عند مس الضراء متسخطا للقضاء والقدر، يتمشى مع الأقدار السارة والمحزنة بطمأنينة وسكون، ويهدي الله لها قلبه، لعلمه أنها تقدير من يقول للشيء كن فيكون، فهذا عبد موفق قد ربح على ربه، وقام بعبوديته في جميع التقلبات، وقد نال السعادتين راحة البال، وحسن الحال والمآل، واكتسب الخيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى