مقال

القلوب وأمراض الشبهات

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن القلوب وأمراض الشبهات
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فهو صلي الله عليه وسلم الذي جاءه أعرابي فرآه يُقبل صلي الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجب الأعرابي وقال ” تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم ” فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا ” أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟” وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها، وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبي، أسرع في أدائها وخففها، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه” رواه البخاري ومسلم، وكان يحمل الأطفال ويصبر على أذاهم.

فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت ” أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه” رواه البخاري، وكان يحزن لفقد الأطفال ويصيبه ما يصيب البشر، مع كامل الرضا والتسليم والصبر والاحتساب ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه ” يا رسول الله ما هذا؟ ” فقال “هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” أما بعد فإن القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، والغالب في أمراض القلب أنها لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فالهم والغم والحزن من أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور والأنس، وجماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.

والقرآن شفاء للنوعين، ولغيرها من الأسقام ففيه من الآيات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشّبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه إثبات التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، وإثبات النبوات، وفي ذلك كله شفاء من الجهل، وهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، وما من مطمح مأمول فيه إلا والمال سبيل للوصول إليه، ولكنه مع كل ذلك لا يكون نعمة حقيقية، ولا ميزة جوهرية، حتى يوفق أربابه إلى حُسن استخدامه، وجميل تسخيره فيعرفون أنه منة من الباري، وعطاء من العظيم وأنه فتنة ومضله ومزله، إن لم يمضي به المرء إلى مراد الله فيشكره على ذلك شكرا عمليا، بتسخيره فيما يحب.

وإنفاقه فيما يأمر، وصرفه فيما ينفع ويرفع، وبذله في وجوه الخير، وصرفه في أنواع البر، ولا يبخل به عن معروف، ولا يشح به عن واجب، فتكون النعمة نعمتين، والروعة روعتين، يعيش غنيا، ويحشر تقيا، هذا هو الذي يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه، وكيف لا يغبط صاحب المال الذي يسلطه في الحق، وهو في أجر دائم، وحسنات دائبة، وخير عميم، ودعاء عريض؟ والله يحبه، والناس تحبه القلوب تدين له، والأرواح تبجله، والملائكة تحفه وما من يوم إلا والمنادي ينادي “اللهم أعط منفقا خلفا” وينمّي الله حسناته، ويضاعف مثوبته ويفك الأسير، ويعين الفقير، ويسعد الشقي، ويعطي اليتيم، ويحنو على الضعيف، ويجود على القريب، ويصل الرحم، وينفس الكروب، وينصر الإسلام، ويدعم الجهاد، ويقوّي دعائم الدين، ويُسهم في عزة المسلمين.

ويقيل عثرات العاثرين، ويبني المساجد، ويشيد المدارس، ويقيم المعاهد، ويعالج المرضى، ويطعم الجوعى، ويسعف المنكوبين، ويقضي دين المدينين وما من خير إلا ويسهم فيه، ولا بر إلا يسابق إليه، حسانته أنهار رقراقة، وأجره عيون دفاقة، فيعطي ويعطيه الله، وينفق فيعوضه الله، ويبذل فيخلفه الله، ويصرف فيحبه الله، ويجود فيجود عليه الله، ويكرم فيكرمه الله، ويُسعِد فيسعده الله، ويرحم فيرحمه الله تعالي، والله عز وجل به يباهي، والملائكة له تحف، والكتَبة يسجّلون، والناس يدعون، والفقراء يبتهلون، واليتامى يناجون، والأجر والخير فنون وفنون، أفلا يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه؟ يا له من خير عميم، وفضل كريم، وعطاء جسيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى