مقال

عن الأعمار بين أحداث أفراح وأحزان

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الأعمار بين أحداث أفراح وأحزان
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فهو صلى الله عليه وسلم الذي دعا لأم أبي هريرة رضي الله عنه قبل إسلامها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ” كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهدي أم أبي هريرة، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم.

فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح” رواه مسلم، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه عامرة بصور ومواقف كثيرة تبين رحمته بالكافرين، ومنها رحمته بكفار قريش سلما وحربا، فعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلوات الله وسلامه عليه ضرب المثل الأعلى في الرحمة بهم رغم كفرهم وإيذائهم له، وليس أدل على ذلك من قصة ثقيف، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت.

” يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب وهو ميقات أهل نجد، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليّ، ثم قال يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين وهما الجبلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري.

وكما تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم بهم في يوم فتح مكة، وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحة واضحة ” اليوم يوم المرحمة ” فعليكم بهدي النبي صلي الله عليه وسلم والتمسك بسنته، فإنه يمضى العام بكل ما يحمل من أحداث وأفراح وأحزان، ويأتي العام ولا ندري ما الله فاعل فيه، فينتهي عام كامل تصرّمت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حكما وعبرا، وأحداثا وعظات، فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من أناس؟ وكم سعد فيه من آخرين؟ كم من طفل قد تيتم؟ وكم من امرأة قد ترملت؟ وكم من مريض قد تعافى؟ وكم من سليم في التراب قد توارى؟ رأينا أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم، دار تفرح بمولود، وأخرى تعزّى بمفقود، هنا عناق وعبرات من شوق اللقاء.

وهناك عبرات تهلّ من لوعة الفراق، وهذه آلام تنقلب أفراحا، وأفراح تنقلب أتراحا ولنا في مرور الأعوام عبرة وعظة، فهذا أحدهم يتمنى دوام يومه ليتلذذ بفرحه وغبطته وسروره، وآخر يتمنى انتهاء يومه ليتخلص من همومه وشروره، أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام يمضى عام، ويأتي عام وهكذا تمر الأيام تسحب وراءها الشهور تجر خلفها السنين ويمر جيل بعد جيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى