مقال

سمة الخلف بالوعود

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن سمة الخلف بالوعود
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الأثنين 30 أكتوبر

الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء بقدر، نقيا من الشوائب والكدر، فعمّ به البوادي والحضر، نحمده سبحانه أنزل بقدرته من السماء ماء مباركا وطهورا ونشهد ألا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإن البيئة الاجتماعية تبنى العلاقات بين الأفراد على أساس من السلوك الحسن والإحترام المتبادل، والتعود على الفضائل سلوكا وتعبدا، مثل الإخلاص والأمانة، والمحبة والجد، والنظام والتعاون، والإخاء، والمودة والإحترام، والإعتماد على النفس، والرحمة، والشفقة وغير ذلك لتكون البيئة عاملا موجها لسلوك الأفراد، وميولهم، وغرائزهم، وكل ذلك في نطاق التعاون بين بيئات التربية الثلاث المدرسة والمسجد والمجتمع.

فالأسرة هي التي تغذي الصغار بالصفات الخلقية الحسنة عن طريق الممارسة اليومية، والسلوك الخلقي الحسن للوالدين، وترجمتهما لمعاني المسؤولية والصدق والأمانة ليعرف الطفل الأخلاق سلوكا طبيعيا عمليا قبل أن يعرفه في معانيه المجردة، أما المسجد فهو مكان الإشعاع الروحي والثقافي الذي يصوغ سلوك الناس فيه بما يناسبه من نقاء وطهر، وعفاف وتجرد، وانضباط والتزام، فانظروا إلى السلف المبارك الذي جعل الله دنياهم في أيديهم ولم يجعلها في قلوبهم فهذا سالم بن عبدالله بن عمر يطوف حول الكعبة فقال له الخليفة هشام بن عبد الملك سلني حاجتك، فقال والله إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج من المسجد قال هشام الآن خرجت من بيت الله فاسألني، فقال من حوائج الدنيا أم الآخرة؟

قال من حوائج الدنيا، فقال سالم ما سألتها ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها، فعلى المسلمين أن يلتزموا بما وعدوا، وأن يتمثلوا أخلاق الإسلام وما دعا إليه، فقال صلى الله عليه وسلم ” آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا حدث كذب” رواه مسلم، فكم من الناس من يعيب على المسلمين في هذا الزمان عدم التزامهم بالوعود، وإخلالهم بها، فلا يفي مقترض بما وعد من رد الدين، ولا يفي صانع بما وعد من إنجاز عمله، ولا يفي رجل بما وعد من زمن للحضور، فلا يحضر إلا متأخرا، حتى صار هذا الخلف بالوعد سمة في كثير من مسلمي اليوم، ويحصيه عليه أعداؤهم، ويعده الجهال من صفات المسلمين، وما هو من صفاتهم، إنما هو خصلة من خصال المنافقين، والمسلم الملتزم بريء من إخلاف الوعد.

فإن الوفاء بمعناه الشامل من أخلاق الإسلام الضائعة، التي تهاون بها الكثير من المسلمين، إلا من عصمه الله تعالى، فعن ميمونة بنت الحارث، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها استدانت، فقيل لها يا أم المؤمنين، تستدينين وليس عندك وفاء؟ قالت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “مَن أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه، أعانه الله عز وجل” رواه النسائى، وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول “من ادان دَينا ينوي قضاءه، أدى الله عنه يوم القيامة” فنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم هو القدوة في الوفاء، فعن حذيفة بن اليمان، قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، فأخذنا كفار قريش، قالوا إنكم تريدون محمدا، فقلنا ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال “انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى