مقال

وللمأساة معنى”

جريدة الأضواء

مقال بعنوان “وللمأساة معنى”
بقلم عبدالله سيد زيدان

الحب…الحزن… الوحدة.. المرض..الموت… أركان المأساة…فالحزن هو الركن الرئيسى فى المأساة؛ولكن ما يزيد اشتعالاً..هو الحب،فبالرغم من أنه جميل وهادئ ورقيق كقطرات الندى فوق أوراق الزهور.. إلا أنه إذا انتهى..يتحول لحزن وإذا ازداد الحزن يصبح اكتئاب وإذا دمج بالوحدة يصبح على حافة المأساة وإن ربط بالمرض فعندئذ يجسدها..ولكن إن وصل الأمر للموت فسيصبح للأمر معنى آخر حينها. فبالرغم من أن الموت نهاية محتومة ومكتوبة على جبين الجميع وموقعة بقلم القدر؛ إلا أنه كلمة صعبة تحمل معانى خفية منها التعجز عن فعل أى شىء ومنها إنهاء النزال والكفاح مع أحداث الحياة. وإن كان الموت عادياً فسيشكل حزناً قليلاً أو لبعض الوقت؛ أما إذا كان الموت نتيجة المرض فهو يكمل المعنى الجوهرى للمأساة..ولندمج الأركان ببعضها.. إذاً الحب هو رباط مقدس بين قلبين جمعت بينهما الحياة أو يمكننا القول أنه (عطاء بشغف غير مشروط) ويقول البعض أنه جميلٌ بقدر جمال البدر ليلة اكتماله، والوحدة هى العائق التى تقف فى طريق الحب. والناتج عنهم هو الحزن؛ وإن أضيف عليهم المرض خاصةً بين العشاق فهو بالطبع يقتل الحب تدريجياً وينهى الآمال ببطء ويلفظ كلمات المأساة ليكتبها الموت بالحبر الاسود على صفحات الحب البيضاء؛ فالسعادة رغم جمالها ضعيفة..(والعزلة رغم قسوتها جميلة)، والمأساة رغم صعوبتها قوية؛ والمرض هو ما يضعف الحب تدريجياً ويرى النهاية قبل بدايتها..وينطق النداء الذي يمليه عليه الموت؛ فالمرض هو اصعب شئ فى قصص الحب..ولكن الحب هو من يهون على العشاق اثقالهم ويبدأ فى اعطائهم آمال كاذبة وهو يعرف أنها لن تتحقق ويستمر في تخديرهم بالأوهام… إذا فالحب رغم جمالها خداع ومسكن لآلام العشاق منها الحزن ومنها المرض…وينقش مرثيات الأمل على جدران المأساة…ولكنه رغم ذلك أقل جرأة ووقاحة من الحزن..فالحزن ليس كلمة سهلة النطق فلا ينطقها اللسان بل يلفظها القلب الأجوف الضعيف الجريح المعلن عن استسلامه وذاهب لحفر قبره بيده..فالحزن بحر لا يتكون إلا من تجمع ظلم الظروف وغدر الأيام..وغلبة الليالى..ونهاية الحب..وطول الافتراق.. وزيادة الوحدة..وجوع القلب لجماله..وتعطش العقل لتأثيره، فلا يفسر الحزن إلا من عاشه وتذوق كيانه..ولن يزيل الحزن سوى السعادة أو الموت ولكن كما قلنا السعادة هى الأضعف بين الجميع.. إذا فليس أمام الحزن سوى الذهاب فى طريق الموت ليعقد معه اتفاقاً على أن يكون الموت هو خط نهايته لانهاء الجدال والكف عن الهراء الذى يسمى الحب..ليصبح الموت هو السجن للأركان كلها ويوحدهم وراء قضبانه ليفرض قوانينه ويرفع رايته ويبدأ فى مهمته بإنهاء بقتل آمال العشاق الكاذبة فهو لا يفعل شئ سوى أنه يرجعهم للواقع القاسى والليالي الشتوية الباردة المظلمة الطويلة التى تحمل فى أرجائها القهر والبؤس..ثم يترك أثره بينهم، وما أثره هذا إلا الوحدة الصعبة المملة ثم يبدأ فى طعن القلوب المأساة وغليها فى بحر الحزن.. ولا يبدأ بالمرض بعد الوحدة ليصبح حتى الإنتظار مستحيلاً.. أجل فلا يعطى فرصة لإنتظار املٍ واحد..امل يسد به القلب رمق اشتياقه بل يزيد على الوحدة والمرض والحزن.. المعاناة من ظلم الظروف لكى يختفى الأمل ويدفن الطموح..فيعلو الحزن وفوقه المرض وترفع الوحدة رايتها ليعلن الموت عن حربه ويرسم فى لوحة الحب النهاية بملك الألوان حتى يعظم شأنه على الحب ويخفيه من بين أسطر أى قصة سعيدة ليحولها إلى مأساوية ويدفن بين طياتها الآمال المقتولة ويزرع الورود السوداء فوق قبور القلوب الملعونة بلعنة العيش فى المأساة والشعور بحزنها..ولا يحدث كل ذلك إلا فى قصة تجسد الحزن وتقتل الآمال وتزرع المرض وتدفن الحب وتفسر المأساة بجميع أركانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى