مقال

العبد ومراقبة الله في العبادة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العبد ومراقبة الله في العبادة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 26 ديسمبر

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلا فقال له استحي من الله استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك، ويروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاه لما بعثه إلى اليمن، فقال “استحي من الله كما تستحيي رجلا ذا هيبة من أهلك”

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن كشف العورة خاليا فقال ” الله أحق أن يستحيا منه” ووصى أبو الدرداء رضي الله عنه رجلا، فقال له اعبد الله كأنك تراه، وخطب عروة بن الزبير إلى ابن عمر ابنته وهما في الطواف، فلم يجبه، ثم لقيه بعد ذلك، فاعتذر إليه وقال كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا” وقوله صلى الله عليه وسلم ” فإن لم تكن تراه فإنه يراك” قيل إنه تعليل للأول، فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله في العبادة واستحضار قربه من عبده، حتى كأن العبد يراه، فإنه قد يشق ذلك عليه فيستعين على ذلك بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره فإذا حقق هذا المقام سهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني، وهو دوام التحديق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيته، حتى كأنه يراه.

وقيل بل هو إشارة إلى أن من شق عليه أن يعبد الله كأنه يراه، فليعبد الله على أن الله يراه ويطلع عليه، فليستحي من نظره إليه كما قال بعض العارفين اتقي الله أن يكون أهون الناظرين إليك، وقال بعضهم خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك، وقالت بعض العارفات من السلف من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص، فأشارت إلى المقامين اللذين تقدم ذكرهما أحدهما مقام الإخلاص وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالي لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله وإرادته بالعمل، والثاني مقام المشاهدة.

وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله بقلبه وهو أن يتنور القلب بالإيمان وتنفذ البصيرة في العرفان، حتى يصير الغيب كالعيان، وهذا هو حقيقة مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام، ويتفاوت أهل هذا المقام فيه بحسب قوة نفوذ البصائر، فاللهم انفعنا بالقرآن المبين وبهدي سيد المرسلين واجعلنا بهما متمسكين وإليهما متحاكمين، أقول ما سمعتم والله حسبي ونعم الوكيل، فما كان من صواب فمن الله الجليل وما كان من خطأ وتبديل، فأستغفر الله منه وما أدى إليه من سبيل، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه، فيا فوز التائبين والمستغفرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى