القصة والأدب

حينما يغيب ناموس الكون

جريدة الاضواء

( حينما يغيب ناموس الكون )
قصة قصيرة بقلم
/ محمد شبكة
خرجت حين بزوغ الشمس ، وشعاعها الذهبي يتساقط على فستانها الاخضر الجميل ؛ الذي يحمل لون الزرع ، ولون قلوب أهل القرية الطيبين ، تتهادى كفراشة تبتغي الرحيق بين الزهور ؛ وهي في طريقها إلى الحقل ، تسعد بنسائم الصبح الندية ، النقية ، تحمل على رأسها منديلا ، به وجبة الإفطار أعدتها لعمها ، الذي بات ليلته عند الساقية ، وكشفت عن ساقيها حتى لا يبتل ثوبها بقطرات الندى الفضية ، التي تسقط من فوق سيقان الزرع على ساقيها ، لينبت شباباً وحيوية ونضارة ، وعند نهاية الطريق كان العم يشعل ناراً بجوار الساقية ، يستمد منها الدفئ ، فأقبلت عليه ، وهي لا تعرف أن نار العم سوف تحرق قلبها ، وثيابها الرقيقة ، وراحت إليه بإبتسامة جميلة بريئة ، وحنانا إلتمسته من عمها ، الذي لا يصغر كثيرا عن أبيها ، فهو متزوج ولديه ثلاثة صغار ، وهي تقرب من سن أبنائه ، وتشعر بطفولتها متعطشة إلى حنان عمها ، الذي كثيرا ما ضمها إلى صدره ، ولكنها في هذه المرة ، تجد إختلافا في أحضان عمها ، الذي راح يتحسس جسدها ، ويضمها إليه بعنف ، ويداعب نهديها الطفلاوين ، اللذان يبرزان قليلا عن مستوى صدرها ، الذي إمتلا أنفاسا مكبوتة ، تخشى أن تفيض بما فيه أمام عمها ، وهي لا تعي ما يفعله بها ، وما يدور برأسه، بل لم يخطر ببالها أن هذا ما يريده منها عمها ، وراحت في تفكير عميق ، ونظرت في وجهه تبحث عن الخلاص مما ألم بها ؛ وتتساءل : هل هذا هو عمها فعلا !!؟ .
فوجدت إصفرارا باردا سقيما يلازمه ، وعيناه تائهتان زائغتان تنظران هنا وهناك ، وفي حين أنه لا يشعر بالأمان ، إلا أنه سقط بها على الأرض ، ينهش من لحمها ، ويلهث كالذئب الراكد فوق فريسته .واخضل الثوب الأخضر بالدم ، وانفض العم ، وانفض غشاء بكارة بنت أخيه ، وانفض الحب الراسخ بين الإبن وبين أبيه ؛ واخطلت الدم بأرض خيرة خصبه ، ليكونا شهودا يوم الدين .
وعادت مهزومة منكسرة تجر أزيال الخيبة والحسرة والألم ؛ ولا تعلم من يمكن أن يحتضنها ، ويضمد جراحها بل تبكي على صدره ما تخشاه من مستقبل مظلم ؛ لا تجد فيه بصيص أمل تعيش من أجله ، وأصبحت لا تثق بأحد ، بعد ما حدث من عمها ، وماذا تقول ؟ إن شاءت أن تقول ؟ لن يصدقها أحد ، فلا العقل ولا المنطق يصدقان ما تقوله .
وازدادت حسرة على حسرتها ، وانكسارا على إنكسارها ، وعاشت منزوية على نفسها ، تعاني حيرتها وقلقها ، تجر يوما وراء يوم ، أنفاسها ذليلة ، وابتسامتها هزيلة ، وحيلتها قليلة ، وتمضي الأيام ثقيلة على أعناقها ، كالفراشة التي علقت بالنار ، فأحرقت جناحيها ، فلا قدرة لها على جلب مصدر العيش ، ولا طاقة لها بحياة الموت اكرم منها ، وأهون عليها .
وشعر الجميع بهذا التغير الملحوظ ، وراح الكل يسأل عن سبب ذلك ، وهي لا تقوى على الحديث ، فلسانها أثقل من مصيبتها وكلامها اثقل من همها ، وظن الجميع أنها قد اصابها جان ، فأوقع بها هذا المرض اللعين ، أم أصابتها عيون الحاسدين الحاقدين ، فقد كانت في العام الرابع عشر من عمرها ، ولكنها تحمل ذكاءا يفوق سنها ، وجمالاً رقيقا كزهرات الربيع .
وأخذوا يدقوا بها أبواب الدجالين ، والمشعوذين والعرافين ، بحثاً عن سر ذبول تلك الزهرة على أغصانها ، ولكن دون جدوى ، وكلما عرضت على احدهم أحست بالموت ينتظرها على أعتابه ؛ عندما يكشف عن امرها ، ولكن كيف له أن يعرف الحقيقة وهي تخفيها بين أنفاسها ؟ وإلى متى ؟ .
ستة أشهر كاملة وحالها يزداد سوءاً بعد سوء ، ووجهها يزداد شحوبا وذبولا .
ولاحظت الجدة
_ بخبرتها _ أن بطن حفيدتها ، يعلو يوما بعد يوم ، ليعلن عن فضيحة كبرى ، تنسف الأسرة بأكملها ، فأفضت بما لا يعرفه أحد إلى زوجها الذي أذهلته الكارثة ؛ فأمر على الفور بتشكيل محكمة عاجلة ، تحوطها السرية التامة في جلساتها ، لسماع أقوال المتهمة ، والوصول إلى الجاني الذي بدد شرف العائلة ؛ التي لا تملك غيره ، وتعيش حريصة عليه ، تدفع عنه كل عدوان ، بما أوتيت من قوة وعتاد ، وتمثلت هذه المحكمة من : الجد رئيسا ، والعم الجاني عضو يمين ، والعم الأصغر عضو يسار ، والأب ممثلاً للإدعاء ، وأمانة سر الجدة .
وانعقدت الجلسة والفتاة منزوية في ركن القاعة ، لا تلتمس منهم عدلا ، ولا تنتظر من محكمة القاضي فيها هو الجلاد ، فما قيمة حديثها إليهم ؟ وقام الأب ممثل الإدعاء يتهم الإبنهة بالفجور ، والفحش والزنا ، وأدلته المادية واضحة امام الجميع ، ويطالب بتوقيع أقصى العقوبة على المجني عليها ، وهي الإعدام ، ونظر القضاة الثلاثة إلى أمينة سر الجلسة ، ربما تطالب بتطبيق مواد الرأفة ، إلا أنها كانت اغلظ قلبا ، فقد إقتلعت قلب المرأة الذي يعرف دائما بالرقة والرأفة واللين ؛ وأبدلته بقلب أعتى وأفظ من قلوب الرجال ، وأعلنت المحكمة حكمها بضرورة إعدام المجني عليها ، وتحدد لذلك الساعات المتأخرة من الليل ، ليكون سترا على الفضيحة ، والجريمة التي يقترفها هيئة المحكمة أيضا .
وأثناء مواجهة الفتاة للموت ، وملامح القسوة قد بدت على وجوههم ، أعلنت عن السر الذي تخفيه ، ولكن كيف معالجة الأمر ،؟ فالعم لا يجوز له أن يتزوجها ، إذن الفضيحة مازالت قائمة ، ويريدون التخلص منها ، ووضع نهاية لها ، وإن كانت بها نهاية الأسرة بأكملها .
وتهتكت أستار الليل ، لتعلن عن رفضها التام لما يدور بخفائها من أحداث جسيمة ؛ ليكون نذيرا ودرسا وعبرة لكثير من الناس ، الذين يتغافلون عن دينهم وشرعتهم ومنهاجهم ، والذي جعله الله عز وجل حماية من كل سوء ، ووقاية من كل شر ، من اتبعه حفظ عرضه وماله ودمه ، سبحان الذي من علينا بهذا الدين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى