مقال

الدكروري يكتب عن شهر تكفير السيئات

جريدة الاضواء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الاثنين الموافق 11 مارس 2024

الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إننا بفضل الله تعالي نعيش الآن فى شهر من أفضل الشهور، أيامه من خير الأيام، فيها قراءة للقرآن، وذكر لله الكريم الرحمن، وبذل للصدقات، لياليه من أفضل الليالى، فيها قيام وتضرع إلى الله، وفى أول ليلة من لياليه ينادى مناد يا باغى الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين. 

وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، وهو فرصة سانحة للتوبة من العصيان، والعودة إلى الملك الديان، ومضاعفة الحسنات، وتكفير للسيئات، فالحذر الحذر من التعامى والتوانى، والبدار البدار بالتوبة قبل فوات الأوان، وفى رمضان أنزل القرآن، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تنقضي عجائبه، ولا يبلى من كثرة الترداد، إن تمسكنا به فزنا وسعدنا، وإن فرطنا فيه خبنا وشقينا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين” وقال تعالى فى كتابه الكريم ” شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الصوم فليصمه” ولكن هناك أمر غفل عنه الناس فى رمضان ألا وهو عدم استشعارهم أن رمضان شهر الصبر والمصابرة.

والجهاد والمجاهدة، والفتوحات والانتصارات، فنجد الكثير من المسلمين إذا دخل رمضان اتخذوه فرصة للراحة، فتجدهم يقضون ليلهم فى السهر الذي قد يكون أحيانا على ما يغضب الله من النظر إلى فضائيات الشر وتدمير الفضيلة، أو النظر إلى الصور الخليعة، وقراءة المجلات الهابطة، أو اللعب بتلك الألعاب التى فيها القمار وما أشبه ذلك، ويقضون نهارهم فى النوم وتضييع الصلوات، وإهدار الأوقات، وربما استدل بعض المغفلين على جواز فعله ذلك بقوله “نوم الصائم عبادة” أيكون تضييع الصلوات عبادة، كيف انقلبت الموازين؟ وكيف صار بعض الناس يعتقد أنه يعبد الله بما حرم الله؟ إن هذا لهو العجب العجاب، ونسى أو تناسى هؤلاء أن رمضان شهر الجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، والفتوحات والانتصارات. 

وأن في رمضان كانت كثير من المعارك الشهيرة بين المسلمين والكفار، ففى رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله بها بين الحق والباطل كما قال عز وجل فى سورة الأنفال ” وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير ” وقال عروة بن الزبير في قول الله تعالى ” يوم الفرقان ” هو يوم فرّق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، والمشركون ما بين الألف والتسع مائة، فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم. 

ففى هذه المعركة كما سمعتم نصر الله المسلمين قليلي العدد والعدة على الكافرين كثيرى العدد والعدة، قال الله تعالى فى سورة آل عمران ” ولقد نصركم الله وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون” وإن الخطباء والدعاة إلى الله تعالى عليهم دور أساسى فى بعث هذه المعانى العظيمة فى نفوس المدعوين، وتبصيرهم بمدى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم والسلف الصالحون من بعدهم من همة عالية، وعزيمة قاربت الجوزاء، ونشاط ضرب الرقم القياسى، فرمضان يعطينا دفعة للأمام لا للوراء، لإتقان العمل، والجد والاجتهاد في السعي والضرب في الأرض، بتأدية الأعمال على وجهها الأكمل، والدعوة إلى الله بعدم تفريط ولا تقصير، والجهاد في سبيل الله بكل ما أوتي المجاهدون من قوة وعزيمة من حديد. 

منطلقين من إيمانهم بعقيدتهم، وتفانيهم في نصرة دينهم، واستفراغهم الوسع فى الذب عن هذا الدين، وخصوصا وهم يؤدون أسمى العبادات، وأرقاها، وأميزها، عبادة الصيام، التي ترتفع فيها الروح لتعانق النجوم، لتسجد تحت العرش، حتى تسمع ملائكة الرحمن قرقرة البطون جوعا، وتحس بيبس الحلوق عطشا، فيقول تعالى ” ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى