مقال

الدكروري يكتب عن أمراض القلب العظيمة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أمراض القلب العظيمة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 31 مارس 2024

الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد إن من أمراض القلب هو الحرص والطمع، وينتج عن الحرص والطمع البخل والشح، وهما من أمراض القلوب، فسبب البخل والشح هو الطمع والحرص وحب المال، وهذا مرض للقلب عظيم، عسير العلاج، وإن المال وسيلة إلى مقصود صحيح، وقد يجعل منه آلة ووسيلة إلى مقاصد فاسدة، فهو بحسب استخدامه يكون محمودا أو مذموما، ولما كانت الطباع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة عن سبيل الله، وكان المال مسهلاً وآلة إليها، عظم الخطر فيما يزيد على قدر الكفاية من المال، فعلى العبد القناعة، فإن تشوف إلى الكثير أو طول أمله فاته عز القناعة، وتدنس لا محالة بالطمع وذل الحرص.

وجرّه الحرص والطمع إلى مساوئ الأخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروءات، والوقوف بأبواب اللئام، فإذا تيسر للعبد في الحال ما يكفيه، فلا يضطرب لأجل المستقبل، ويعينه على ذلك قصر الأمل، واليقين بأن الرزق الذي قدر له لا بد أن يأتيه وإن لم يشتد حرصه، وأن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء، وما في الحرص والطمع من الذل، ثم ينظر في أحوال الأنبياء والأولياء، ويخير نفسه بين أن يكون مقتديا بأعز الخلق عند الله تعالي، أو مشابها لأراذل الناس، وعليه أن يفهم ما في جمع المال من الخطر ففي حالة الفقر ينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص، وإن كان غنيا فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء وبذل المعروف، والتباعد عن الشح والبخل، فإن الجود من أخلاق الأنبياء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول.

” إن الله كره لكم ثلاثا، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال” رواه مسلم، فأنصف أذنيك من فمك، فقد جعل الله لك أذنين وفما واحدا، وذلك لتسمع أكثر مما تقول، وإعلم أن الرجل ليتكلم في ساعة ما يعجز عنه في شهر، وأخطر من ذلك كله الخوض في مسائل العلم والدين بجهل أو هوى، والكلام على الله بغير علم، فإنه من سبيل الشيطان، وإن من الطبيعي أن يهتم الإنسان بما يرتبط بشؤون حياته الخاصة، ومصالحه الذاتية، وأن يصرف جهده في التفكير والسّعي من أجل خدمتها، ولأن الإنسان جزء من المجتمع، فإن من الطبيعي أيضا أن يهتم بالشأن الاجتماعي العام، وله الحق في ذلك، وقد يرقى هذا الاهتمام إلى مستوى الواجب المتحتم عليه، سواء لاعتبارات دينية أو اجتماعية أو إنسانية.

وإذا كان من الطبيعي جدا أن يهتم المرء بشؤونه الخاصة والشأن الاجتماعي العام، إلا أن من غير الطبيعي أبدا أن يتدخل الإنسان بالشؤون الخاصة المرتبطة بغيره من الأشخاص لأن كل إنسان له حياته الخاصة وشؤونه الشخصية، العائلية والمالية والصحية والعبادية، وله أنماط سلوكه وعلاقاته الاجتماعية، وكما لا يرغب المرء في أن يتدخل الآخرون في شؤونه، فإن عليه هو ألا يتدخل في شؤون الآخرين لأن حياة الإنسان الخاصة ملك له، وأسراره وقضاياه الشخصية حصن داخلي لا يرغب في تجاوز الآخرين عليه، فكما لا يرغب المرء بأن يقتحم الآخرون عليه بيته دون استئذان أو موافقة منه، كذلك الحال مع أي تدخل في شؤون الآخرين الخاصة، فهو تصرف غير مقبول أيضا.

بل ويُعد ضربا من ضروب العدوان، فالعدوان على الآخرين ليس مقتصرا على الاعتداء البدني أو سرقة الأموال والممتلكات الخاصة وحسب، وإنما التدخل في خصوصيات الآخرين هو الآخر مظهر من مظاهر العدوان لما في ذلك من أذى شخصي يترتب على هذا التدخل، ولما في دس الأنف في شؤون الآخرين من إرباك حياتهم، فكم من العوائل تعرضت للأزمات والمشاكل نتيجة تدخل الآخرين في شؤونها، وينبغي القول في هذا المقام بأن رفض التدخل في شؤون الآخرين لا نعني به النأي عن شؤون الأغراب والأجانب فقط وإنما يشمل ذلك أيضا التدخل في شؤون أقرب المقربين، من الأبناء الراشدين والأخوة والأصدقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى