مقال

الدكروري يكتب عن الرجولة في القرآن الكريم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرجولة في القرآن الكريم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المسلمين، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المصلين، نسأل الله أن يثبتنا على ذلك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد نحتاج اليوم إلي رجال مخلصين مما قال الله عز وجل فيهم ” من المءمنين رجال ” ولكن أين هؤلاء الرجال اليوم، فلقد أختلف الناس في تفسير معنى الرجولة فمنهم من يفسرها بالقوة والشجاعة، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة والحزم، ومنهم يفسر الرجولة بالكرم وتضييف الضيوف، ومنهم يقيسها بمدى تحصيل المال والاشتغال بجمعه، ومنهم من يظنها حمية وعصبية جهلاء.

ومنهم من يفسرها ببذل الجاه والشفاعة وتخليص مهام الناس بأي الطرق كانت، ولا بد أن نعلم أن هناك فرق بين الرجل والذكر، فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجل، ما أكثر الذكور لكن الرجال منهم قليل، ولقد جاءت كلمة ” ذكر” في القرآن الكريم غالبا في المواطن الدنيوية التي يجتمع فيها الجميع، مثل الخلق وتوزيع الإرث وما أشبه ذلك، أما كلمة رجل فتأتي في المواطن الخاصة التي يحبها الله تعالى، والرجولة هي تحمّل المسئولية في الذب عن التوحيد، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء الله تعالي، والرجال لا يقاسون بضخامة أجسادهم وبهاء صورهم، وقوة أجسامهم فعن علي بن أبي طالب قال ” أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد على شجرة أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود، حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أتعجبون من دقة ساقيه؟ إنهما أثقل في الميزان من جبل أحد ” رواه أحمد، والرجال هم الذين يعلمون علم اليقين أن حال الأمة لا يمكن تغييره إلا بصلاح الأفراد وإيجاد الرجال، ولن يتربوا إلا في ظلال بيوت الله، في ظلال القران والسنة النبوية، ولرجال هم الذين يصدقون في عهودهم، ويوفون بوعودهم، ويثبتون على الطريق، وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين، فعند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، ونحتاج إلى الرجال الذين يثبتون وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيرانا، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يُثبتون الناس على شرع الله.

فعندما نتأمل الرجولة في القرآن الكريم نجدها لصيقة الصلة بالمسؤولية والتضحية والفداء، وذلك لما بينهما من صلة وثيقة، وكذلك باتباع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمه على محببات النفس ونوازعها الداخلية من تجارة وأموال وغيره، بل ونفيها عمن فرط في اتباع الشريعة أو تعدى حدود الله عز وجل، لذا كان هذا هو المعيار الحقيقي للرجولة في نظر الشريعة، فيقول الله تعالى فى سورة النور” يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” فالآيات ألزمت من يبتغي الاتصاف بالرجولة بصفات تبني فيه شخصيته بالإقدام والإقبال على الطاعة ومعرفة حق الله تعالى وحق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

والإحجام عن معصيته وما قد يهدم مروءته وأخلاقه ومبادئه من جانب، ومعرفة حق أمته وعظم المسؤولية الملقاة على كاهله والتصرف إزاءها بنوع من السؤولية والكفاءة والتضحية من جانب آخر، لذا لم يكن معيار الرجولة عند سلفنا الصالحين ومصلحينا وأصحاب البصيرة النافذة لم يكن السن أو الحجم، وإنما كان ما وقر في الفؤاد من معاني الغيرة على الدين والبذل له، فكم من صبي كان رجلا في قلبه ولسانه، وكم من صغير حيّر عقول الكبار بفهمه الدقيق وبذله العميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى