مقال

الدكروري يكتب عن مواقف السماحة والعفو

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مواقف السماحة والعفو
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 27 مارس 2024

الحمد لله الذي أوجد الكون من عدم ودبره، وخلق الإنسان من نطفة فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره، إن من مواقف السماحة والعفو في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حينما همّ أعرابي بقتله حين رآه نائما تحت ظل شجرة، وقد علق سيفه عليها، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فأخذه فقال تخافني؟ قال رسول الله ” لا ” فقال فمن يمنعك مني؟ قال ” الله ” فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، فقال “مَن يمنعك مني؟” فقال كن خير آخذ فقال “تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟” قال لا، ولكني أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس”.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له عامل على مدينة الأهواز، وهذا العامل أراد أن يوسع داره، ولكن له جار مجوسي، يعبد النار، وهو جار حاكم الأهواز مجوسي، وما استنكف من جواره، ولكن قال لو بعتني دارك أضمها إلى داري لأن الناس يكثرون من الدخول عليّ وأنا عندي أولاد وعندي زوجات، فما تسع داري، قال له لا أبيعك إياه، قال له أنت حدد الثمن وأنا أدفع، قال ولو بألف ألف درهم، لا أريد، هل هناك قانون في كتابك وسنة نبيك يلزمني بالبيع، قال لا، وهذا الحاكم الناس ضيقوا عليه، وفود تأتي من العراق، ووفود تأتي من الشام، وفي يوم من الأيام من شدة الضيق، قال لعماله اهدموا الدار وهذا المال يا صاحب الدار إذا جئت خذ العوض، فجلس صاحب الدار على عتبة الدار يبكي، فقالت له زوجته ما يبكيك؟ هل أنت امرأة؟

قال لا، لكن هذا ظالم هدم جداري وضم داري، قالت ألا تشكوه إلى أميره؟ قال ومن الأمير؟ قالت سمعت الناس يتحدثون أن له أميرا في مكان يسمى المدينة، اذهب واشكوه، قال وهل سيصنع لي شيئا؟ قالت الناس يتحدثون عن عدله، فشد المجوسي الرحال، ودخل المدينة المنورة، وسأل أين ملككم؟ قالوا ليس عندنا ملك؟ فتذكر الكلمة التي قالتها زوجته، وقال أين أميركم؟ قالوا هناك، تجده تحت الجدار أو تحت النخلة، فذهب، فقال له أنت أميرهم؟ فقال بلى، وكان عمر طاويا شملته ونائما، فاعتدل عمر رضي الله عنه، وقال مالك؟ قال له المترجم، يقول إن عاملك في الأهواز سلب منه داره عنوة، فقال عمر لكاتبه بجواره، قال اكتب هذا ما كتبه أمير المؤمنين عبد الله، عمر بن الخطاب إلى عامل الأهواز، أعد الدار على صاحبها، أو احضر.

ثم طوى الجلد وبحث عن خيط حتى يربطه، فلم يجد، فعاد إلى شملته وسلب منها خيط صوف وربط الكتاب وسلمه إلى المجوسي، والمجوسي لما رأى الحاكم ليس عنده خيط إلا من شملته، رمى الكتاب في خرجه، وذهب إلى زوجته يبكي، قالت ما يبكيك؟ قال لقد أتعبتيني كيف يقتص هذا الحاكم من هذا الظالم وهو لا يجد خيطا لرسالته وكتابه إليه؟ قالت ويحك، خذه إليه وسترى، فأخذه واستأذن وقدم له الكتاب، قال من أين؟ قال من عمر، قال ماذا؟ وجف ريقه وقام وقعد، وفتح الكتاب، وقرأه فكاد أن يقف قلبه “أعد الدار أو احضر” فقال أعيدوا إليه الدار، وابنوا له الجدار، وأعطوه خمسمائة درهم من بيت مال المسلمين جزاء ما روعناه، فعاد المجوسي يضحك إلى امرأته، قال صدقت يا امرأة، قالت أرأيت؟

وهكذا كان عمر رضي الله عنه مثالا لنشر الأمن وإصلاح ذات البين بل كان حريصا على وحدة المجتمع مع اختلاف الديانات والمعتقدات فعلينا أن نتحرر من الفرقة والتشاحن والتباغض والتقاتل والتحزب بالصلح والمصافحة والمصالحة والتنازل والمحبة والأخوة حتى تعود المياه إلى مجاريها، ويجب علينا أن نكون صفا واحدا متلاحما كالبنيان المرصوص، مع ولاة أمرنا وعلمائنا في استتباب الأمن والقضاء على هذه الظواهر المفزعة والأحداث المفجعة واستئصال شأفتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى