مقال

الدكروري يكتب عن القضية الثالثة مع نبي الله موسى والخضر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن القضية الثالثة مع نبي الله موسى والخضر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 16 يناير 2024

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، الملك، الحق، المبين، وأشهد أن نبينا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه، أجمعين، أما بعد ذكرت المصارة الإسلامية أنه تبدأ القضية الثالثة مع نبي الله موسي والرجل الصالح عليه السلام حيث مر نبي الله موسى والخضر عليهما السلام على قرية بخيلة لا تطعم ضيفا ولا تسقي ظمآنا ولا ترحب بوافد، ومن شدة بخل هذه القرية أن طلب موسى والخضر الطعام فأبوا وهذا من أعظم اللؤم وأشد درجات البخل، وامتنعت بيوت هذه القرية أن تضيف هذين الرجلين الصالحين، ثم نزلا في مكان، في سكة من السكك، فوجدا جدارا مائلا يكاد أن يسقط، فرده الخضر إلى حاله من الاستقامة، فعند ذلك قال له نبي الله موسى عليه السلام ” لو شئت لأتخذت عليه أحرا”

وإن هذه القرية أبت أن تضيفنا، فلا هم أطعمونا ولا سقونا ولا آوونا، ثم تأتي أنت فتبني جدارها مجانا بدون أجر أما الذين أركبونا في سفينتهم بلا عطية ولا أجر فكان جزاؤهم أن عمدت إلى تخريب سفينتهم، فقال له الخضر ” هذا فراق بيني وبينك” لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني فهذا فراق بيني وبينك، وسوف أخبرك بتفسير ما أنكرته عليّ من أمور لتعلم أن هناك حكما باطنة لا تعلمها أنت، قد أطلعني الله تعالي عليها، وقبل أن يفارق الخضر موسى عليه السلام، وقف معه وقفة يخبره فيها بما أشكل عليه من تصرفات حدثت أثناء مسيرهما معا، الأمر الذي تحير معه موسى عليه السلام، وجعله يحتج دائما وينكر مرارا حتى بعد أن أخذ على نفسه العهد بألا يحتج ولا يسأل ولا ينكر.

فكانت القضية الأولى وهو خرق السفينة، فيقول الخضر لموسي عليه السلام إن هذه السفينة كانت لبعض المساكين، وكانوا يعملون عليها، ويرزقون بسببها، وعند الشاطئ على الساحل ملك ظالم جبار، يقف لكل سفينة بالمرصاد، فهو يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها، ولذلك عمدت إلى هذه السفينة فأحدثت فيها عيبا يسيرا لا يعطلها، ولا يضرها، حتى لا يلتفت إليها هذا الملك الظالم ويتركها إذا شاهد العيب الذي فيها، وأما القضية الثانية وهي قتل الغلام، فقد ورد أن هذا الغلام طُبع يوم طبع كافرا وكان أبواه مؤمنين، فخشي الخضر أن يحملهما حبه على متابعته على الكفر، وقال قتادة قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض كل امرئ بقضاء الله.

فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب قال تعالى ” وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ” ثم علل الخضر قتله بقوله ” فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما ” أي ولدا أزكى من هذا الغلام وهما أرحم به منه، وقيل لما قتله الخضر كانت أمه حاملا بغلام مسلم، وأما عن القضية الثالثة وهي قضية بناء الجدار، فيقول الخضر إن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما، فلو سقط الجدار لظهر هذا الكنز ولأخذه الناس، فهذا من حفظ الله تعالي لأبناء العبد الصالح بعد وفاته، ولذلك قال الخضر ” وكان أبوهما صالحا” فانظر إلى تقدير رب العزة سبحانه وتعالى كيف حفظ هؤلاء الأبناء بصلاح أبيهم، وفي الغالب أن الأب إذا كان صالحا كانت ذريته كذلك.

وإذا كان فاجرا غلب على ذريته الفجور والفسق فيقول تعالي ” فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما ” وهنا أسند الإرادة إلى الله تعالي تأدبا مع الله تعالي حيث أسند ما هو خير محض إلى الله تعالي وكذلك بلوغ الغلامين الحُلم لا يقدر عليه إلا الله تعالي أما في مسألة السفينة، فقال ” فأردت أن أعيبها” فنسب الإرادة إلى نفسه لأن ظاهر الفعل الفساد، وإن كان حقيقته غير ذلك، ثم بيّن الخضر بعد ذلك أنه ليس له من الأمر شيء، فقال ” رحمة من ربك وما فعلته عن أمري” إن هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، والغلامين اليتيمين، وما فعلته عن أمري ولكني أمرت به ووقفت عليه، ” ذلك تاويل ما لم تسطع عليه صبرا”

أي تفسير ما ضقت به ذرعا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، فهذه هي الرحلة، التي ارتحلها نبي الله موسى عليه السلام لطلب العلم، باحثا عن المعرفة، طالبا للحكمة، فهلا حرصنا على طلب العلم وأدب التعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى