مقال

الدكروري يكتب عن حُسن الخاتمة ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن حُسن الخاتمة ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع حُسن الخاتمة، فكم من إنسان كان مجتهد، ثم قصّر في نهاية المطاف؟ والعبرة ليس في كمال البدايات، وإنما العبرة بكمال النهايات فيقول صلي الله عليه وسلم”وإنما الأعمال بالخواتيم” رواه البخاري، ومن أسباب حسن الختام هو النية الصادقة، فينوي المؤمن العمل الصالح، ويكون بينه وبين الله من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “من تمنى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” رواه مسلم، وإن من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها هو أن يكون حسن الخاتمة، فعن عمرو بن الحمق رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أحب الله عبدا عسله” قالوا ما عسله يا رسول الله؟ قال “يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه” أو قال “من حوله” ومعني كلمة “عسّله” بفتح العين والسين المهملتين تشدد وتخفف أي طيّب ثناءه بين الناس.

 

من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل، ذكره الزمخشري، وفي رواية “يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه” وهو من كلام الراوي لا المصطفى صلى الله عليه وسلم شبّه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه، ذكره الزمخشري، وقال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده بعدما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرُب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء، فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحا قليلا فأعطي جزيلا، هذا، ومن أعظم فوائد هذا الحديث أنه حاث على عدم اليأس من محبة الله تعالى مهما عمل ومهما طال به الأجل.

 

واقفا بباب الرحمن الكريم يستجديه إذ الخواتيم لا تعلم حال الحياة ولا تدرك بالعزم ساعة الموت، وإنما هي بتوفيق الله، كما إن من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها هو ما يكون من قبل الناس تجاهَ العبد المحبوب من ربه تعالى، وله مظهر واحد يظهر فيه هو أن يكون محبوبا للملائكة وصالحي بني آدم، فإن من علامات محبة الله تعالى لعبده أن يضع له القبول والمحبة في أهل السماء وأهل الأرض فيكرمونه وترتفع منزلته عندهم، كما صنع الله تعالى بموسى عليه السلام حيث جعل عدوه يحبه، فقال تعالى ممتنا عليه، عليه السلام ” وألقيت عليك محبة مني” وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء.

 

ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض، وفي صحيح مسلم أن سهيل بن أبي صالح قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لأبي يا أبتي إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز، قال وما ذاك؟ قلت لما له من الحب في قلوب الناس، فقال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، ثم ذكر هذا الحديث، وإن الخوف من الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب، امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملا صالحا وقولا حسنا وسلوكا قويما وفعلا كريما، فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد، ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين،

 

وإن للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالخوف من الله أولا من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة لأنك إذا حصل لك الموعود وثقت أكثر، فالخوف من الله عز وجل يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء، والخوف من الله ثانيا يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه، وعدم طلب المقابل في الدنيا، فلا ينقص الأجر في الآخرة،أي تضطرب وتتقلب، وهذا هو الذي دفعهم للعمل، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يستلموا كتبهم بشمائلهم، وأما في الآخرة، فأولا الخوف من الله يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة “ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه” والخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى