مقال

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الواحد والعشرون “

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الواحد والعشرون “
إعداد / محمــــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الواحد والعشرون مع الحلال بيّن والحرام بيّن، وإن فى الحياة الشخصية للمسلم الأطعمة، والأشربة، والملبس، والزينة، وحياته في بيته، وكسبه، واحترافه، فإن المسلم يضبط ما يدخل، ويضبط ما يخرج، وهو ما يدخل من طعام، وما يخرج من كلام، فيجب أن تضبط ما تأكل، وأن تضبط ما تقول، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه” رواه احمد، وإن طلب الفقه واجب على كل مسلم، فكان العرب في الجاهلية قد حرموا بعض الحيوانات بغير حق، وحرموا البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامية، واستباحوا لأنفسهم بعض الخبائث كالميتة، والدم المسفوح، وقد جاء الإسلام في شأن الأطعمة وخصوصا ذات الأصل الحيوانى ليبين وليوضح ما هو حلال وما هو حرام، وأن أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله الحلال والحرام، لأنك إذا آمنت بالله ولم تستقم على أمره أنت محجوب عنه، فما قيمة هذا الإيمان؟

الحلال بيّن والحرام بيّن

فإن إبليس قال ربي فبعزتك لأغوينهم أجمعين، فهو أخطر شيء بعد الإيمان بالله فيجب أن تتعرف إلى منهج الله، وإلى شرع الله، وإلى الحلال إلى الحرام، وإلى الأمر، وإلى النهي، وإلى المباح، وإلى المكروه، وإلى الفرض، وإلى الواجب، وإلى الحرام، لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم،ومثال ذلك لو أجلسنا إنسانا إلى مقعد طائرة وقلنا له قوم بها من دون أن يكون متعلما أصول قيادة الطائرة، فإن احتمال سقوط الطائرة كم بالمائة؟ إنه مائة بالمائة، فهذه المعلومات أساسية في سلامته، وإلا لابد من السقوط، والإنسان يمشى في الدنيا في متاهات، وفي حقول ألغام، فإن السوق فتنة، وأيضا هناك آلاف الشبهات بالمال، وآلاف الشبهات في إنفاق المال، وآلاف الشبهات في عقد البيع، وفي عقد الشراء، وفي العلاقات الاجتماعية، فيجب عليكم أن تتفقهوا قبل أن تدخلوا السوق، فمن دخل السوق بلا فقه وقع بالربا شاء أم أبى، فلذلك طلب الفقه حتم واجب، فإن العلم الذي ينبغى أن يُعرف بالضرورة ، فإن العلماء فرقوا بين علمين، بين علم هو فرض عين، وبين علم هو فرض كفاية.

فرض العين ما ينبغى أن تفعله بالضرورة، فهل عندك فراغ أم لا، وهل أنت مهندس، أم هل أنت طبيب، أم أنت تاجر، لست مختصا، فهذا كلام غير مقبول، فالإنسان عندما يجلس خلف مقود السيارة هناك مجموعة معلومات إذا لم يعرفها يعمل حادثا، ولكن قل له مما صنعت هذه المكابس أو المواتير أو الإطارات؟ فإنه ليس شرطا أن يعرف كيف صنع هذا الحديد، وأو لف هذا اللف الجميل، وليس من الضرورى أن يعرف كيف طليت هذه السيارة ، ولا يعرف مما صنع محركها، لكن هناك مجموعة حقائق بالقيادة إذا ما عرفها أهلك نفسه، فهذه الحقائق التى لابد منها سماها العلماء هو ما ينبغى أن يعلم بالضرورة، فالحلال والحرام من الحقائق التى يجب أن تعلم بالضرورة ، لأن العلم يحرسك، ومن الحقائق التي لا يعذر الإنسان بجهله بها، أنت مع شرطى يقول لك لا جهل في القانون، إذا ارتكبت مخالفة سير تقول لا أعلم؟ فهل يسمع منك هذا الكلام؟ وهل يقبل منك هذا الكلام؟ فإنه لا يقبل منك، فأنه لا جهل في القانون.

فلذلك عندما يحضر الإنسان مجلس علم يعرف الحلال والحرام، والأمر النهى، ومعنى كلام ربه، هذا الحضور ليس استهلاكا للوقت بل هو استثمار للوقت، فهذا الحضور يقيك، ألم يقل الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه لابنه وهو يعظه “يا بني العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال” ومثال على ذلك وهو مثلا إنسان زلت قدمه بعلاقة محرمة مع فتاة جر مرض الإيدز لزوجته ولخمسة أولاد، الأولاد يسأمون الحياة، وأمهم تبكي ليلا نهارا، وهو على وشك الموت، فالإنسان الجاهل يفعل فى نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وأيضا الحلال والحرام في الأطعمة وخصوصا الأطعمة ذات المنشأ الحيوانى، ولكن ما هو الحلال والحرام في الأطعمة؟ وهو في الأعم الأغلب النباتات الأشياء المحرمة فيها قليلة جدا، إلا أن الأطعمة ذات المنشأ الحيواني هناك تفاصيل في ذلك، الآية الكريمة فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين” فلننظر هنا.

فما علاقة لا تتبعوا خطوات الشيطان بقوله تعالى؟ والمعنى هو أى لا تتبعوا خطوات الشيطان في تحريم ما أحلّ الله لكم، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في تحليل ما حرم الله عليكم، فإن الذى يحلل ما حرم الله اتبع خطوات الشيطان، والذى يحرم ما هو حلال اتبع خطوات الشيطان، ومرة ثانية فإنه ليس تحريم الحلال بأقل إثما من تحريم الحلال، فكلاهما إثم، وكلاهما يوازي الشرك بالله، وهو شرع لك أنت سلكت طريقا آخر، فكل إنسان يحلل الحرام أو يحرم الحلال فقد عمل عملا قريبا من الشرك، ولكنه شرك في التشريع، أى أشرك نفسه مع الله تعالى في التشريع، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكرو لله إن كنتم تعبدون” فإن المحرمات فى الأطعمة ذات المنشأ الحيواني هى أربع على الإيجاز وعشرة على التفصيل، فكم نوع من أنواع اللحوم؟ فهى أنواع لا تعد ولا تحصى، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم”

وقال الله تعالى أيضا كما جاء فى سورة الأنعام ” قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم” وهكذا فإن المحرمات أربع، الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وهذه محرمة لذاتها، وما أهل لغير الله به، وهو أنه لو أكلت لحم ضان لم تذكر اسم الله عليه، وذكرت اسم فلان، أو علان، أو الصنم الفلانى، فإن هناك ثلاثة أشياء محرمة لذاتها، وهناك شيء محرم لغيره، فالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، هذه المحرمات الأربع ثلاثة لذاتها، وواحدة لغيرها، وهذا على الإيجاز، أما على التفصيل فعشرة، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب ” فإن المحرمات في الأطعمة ذات المنشأ الحيوانى هم أربع على الإيجاز، وعشرة على التفصيل، لأن المنخنقة.

والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، هذه مع الميتة، وما ذبح على النصب هذا مع ما أهل به لغير الله، وأما عن حاجة ضعاف الإيمان إلى التعليل فهناك اتجاهان في شرح الأحكام الفقهية، فالاتجاه الأول هو إذا آمنت أن لهذا الكون خالقا عظيما خلق السماوات والأرض، لأى أمر أمرك به، أو أى نهى نهاك عنه، لأنه أمر ولأنه نهى فهذه علة كافية، وإذا كان عندك جهاز معقد وقرأت التعليمات لوجدت أن الشركة الصانعة عمرها مائة عام، وعندها ثمانية آلاف مهندس، وقد أعطت توجيها تشعر بكل خلية بجسمك، وبكل قطرة بدمك، وأن هذا الكلام صحيح، وهذه التوجيهات يجب أن تنفذ، ولا يخطر في بالك أبدا أن تناقش هذه الشركة الصانعة في هذه التوجيهات، لأنها هي الصانعة، فكذلك إذا قلنا بأن الميتة يحرم أكلها، فعندنا اتجاهان، فالأول هو أن تقول لأن الله حرم علينا الميتة فهى حرام، ولكن إذا أردت أن تقنع ضعاف الإيمان فإنك تحتاج إلى التعليل، لكن لو فرضنا أن الإنسان لم يعرف التعليل ألا ينبغى أن ينفذ الأمر الإلهي؟ ولا ينبغي أن تعلقه على التعليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى