مقال

نظرية المؤامرة

جريدة الاضواء

الدكتور محمد العبادي

نظرية المؤامرة

تشکل لحظة انتشار الكوارث ، مثل الزلازل والبراكين والاوبئة بيئة خصبة لتصاعد الفکر التآمري.
ربما يكون أكثر حدة مقارنة بأوقات الأزمات والتغيرات التاريخية الكبرى وذلك لأن خطر البقاء يصبح اكثر ضغطا على ذهنيات الأفراد والجماعات وحتى الحکومات بما قد يدفعهم للميل إلى تبني أفکار وتصورات وربط الأحداث والقفز إلى النتائج دون فحص کاف للمقدمات.
وتزداد فرص انتشار الفكر التأمري في وجود حواضن للمؤامرة ، کالتضليل المعلوماتي، والاتهامات المتبادلة بين الدول حول المسؤولية عن حدث ما ، بخلاف الصراع العالمي الذي يؤسس له مؤيدوا الحكومة العالمية حول المؤامرة الکبرى لکيانات لها مصالح حول العالم قد تکون متورطة في المؤامرة، وفي مقابل تلك التفسيرات تظهر العقلية العلمية التي ترتكز على الدراسات والدلائل العلمية، بل وتتنبأ بالأحداث المستقبلية في ظل معطيات محددة والتي أشارت إلى أن تدمير النظم الأيکولوجية ، والتغيرات المناخية والتلوث البيئي و ثقب الأوزون وإلى ما هنالك من متغيرات كونية ، حيث تؤکد على الدور الذي يمکن أن تلعبه مناهج العلوم الاجتماعية في تقييم أسباب المخاطر والاتجاهات المختلفة في تفسيرها من خلال المقاربات العقلانية في فهم الظاهرة، وتجنب المقاربات التآمرية.
وعلى الرغم من الوفرة الملحوظة في أدبيات نظرية المؤامرة باللغة الانجليزية، إلا أن أدبيات الموضوع باللغة العربية تتسم بالندرة، وعليه فإن أهمية هذه الموضوع تهدف إلى تغطية بعض العجز في هذا السياق. ويلاحظ عموما أن أدبيات نظريات المؤامرة تعكس مفهوم توماس كون للبرادايم “Paradigm” وما يرتبط بذلك من قيام ثورات علمية. وبينما يعتبر البارادايم أو الإطار التقليدي لنظرية المؤامرة موغلا في القدم، إلا أنه يفتقر إلى المنهجية العلمية؛ نظراً لتعويله على الاستدلال بدل من الاستقراء من ناحية، ونظرا لبعده الميتافيزيقي من ناحية أخرى. لكن قيام الثورة السلوكية في منتصف القرن العشرين نتج عنه تطوير نظريات “امبيريقية” تركز على مستوى التحليل الجزئي في إطار العلاقات الدولية، حيث يمكن وصف السلوك التآمري للأفراد والنخب السياسية وصانعي القرارات وتحليله والتنبؤ به على حد سواء.
إن الوصف والتحليل والتنبؤ بالسلوك التآمري على مستوى الفرد في إطار علم السياسة يمكن أن يتم عموماً من خلال استعراض ثلاث نظريات هي نظريات:
الاتجاهات، والشخصية، واللاعقلانية. فالسلوك التآمري يمكن مثلا وصفه وتحليله والتنبؤ به من خلال الانخراط في دراسات علمية عميقة الإتجاهات والتركيز على الرأي العام خاصة والاتجاهات اليمينية المتطرفة المرتبطة بالشك ومعارف ناتجة عن وجود أفكار شاذة، أو من خلال الدراسات المتعلقة بالشخصية المرتبطة بنشر الشائعات، أو اللاعقلانية. فالسلوك التآمري للأفراد والنخب السياسية يعكس إما وجود نظام معتقدات متطرف، أو اختلال في الشخصية، أو اللاعقلانية، أو كل ذلك معا. وبالرغم من أن النظريات الجزئية تصف وتحلل وتتنبأ بالسلوك التآمري للأفراد والنخب السياسية، إلا أن واقع الحال يشير إلى تنامي المؤامرات من حيث الكم والكيف، الأمر الذي يمهد لبروز بارادايم ثالث قد يسهم في تضييق الفجوة بين النظرية والواقع، الأمر الذي يعني الحاجة إلى مزيد من الدراسات في هذا المجال.
وقد لاحظنا في الٱونة الأخيرة ان العلوم الاجتماعية والتخصصات الإنسانية التي أظهرت اهتماماً بنظريات المؤامرة في الغالب على منظور ثقافي ،مثل التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الأعراق البشرية وعلم الاجتماع والدراسات الثقافية والأدب وما إلى ذلك ، أو منظور إيجابي كعلم النفس والعلوم السياسية. بين هذين المنظورين يضع فجوة في طريقة فهم طبيعة الظاهرة ، فضلا عن مظهرها ، والمنهجية المستخدمة وكيفية تفسير النتائج والآثار المترتبة عليها.
وهنا نسعى إلى إظهار أن هذا الموضوع هو في جوهره سؤال اجتماعي ثقافي وأن منظور النظرية الاجتماعية والثقافية يمثل طريقة لسد الفجوة المذكورة أعلاه باستخدام ميزات كلا النهجين. إذا كان النهج الثقافي يرى نظريات المؤامرة على أنها نتاج ثقافة ، والنهج الإيجابي كمسألة للفرد ، ثم من خلال منظور اجتماعي ثقافي ننظر في كيفية تصرف الفرد بنشاطه في مجتمع طور خطاب نظريات المؤامرة عبر الزمن. من خلال تبني هذا الرأي ، يمكننا دراسة كيفية مشاركة الأفراد بشكل هادف في بناء سياقي (مشترك) وتحويل المعاني والخطاب والروايات التآمرية ، وكذلك كيفية استخدامهم لنظريات المؤامرة وغيرها من المصنوعات اليدوية التي تبرر ما لا يبرر وتفسر ما لا يفسر بإطار هش لا يستند إلى النهج العلمي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى