معرض الكتاب

بقلم/ أحمد عيسى

“رشدي”، و”فوزي”، و”علوي”، كانوا شُباناً يافعين، وقتما ضمت ثلاثتهم فصول المدرسة السعيدية الثانوية العسكرية بمحافظة الجيزة.

أما “رشدي” فكان مولعاً بالشُّرْطة العسكرية المدرسية انتساباً إليها، والتزاماً بزيها، ومبادئها، وأوامرها، يعشق بُكور طابورها، ويجد لذَّتَه وانتشاءه في متابعة اصطفاف الفصول، والمرور بِزَهْوٍ بين أعطاف الطلاب يُقوِّم المعوّج، ويُقدم المتأخر، ويُوزِع النَّافِر، ويساوي بين الصفوف.

على حين كان “فوزي” صُورِيّ التديُّن، حَرْفِي التنسُّك، سَطْحي الفَهْم والإدراك، يرنو لأن تظهر “زبيبة” الصلاة في جبهته ليحظى بما كان يفهمه أوانئذٍ من قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]!

وأما “علوي” ثالث الثلاثة، فكان دَمِث الخُلُق، مُنطلق الوجه، عميق الفهم، دائب الذِّكْر، ثاقِب الفِكْر، ليِّن الجانب، خاشعاً متبتلاً، يُسارع في الخيرات.

التقى ثلاثتهم قَدَراً بعد زُهاء عَشْر سنوات خَلَت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث صار “رشدي” ضمن فريق ضباط أمن المعرض، عرفه صاحباه من صوته وانتفاشِه وصَلَفِه، وزَجْرِه لجنود فريقه وبعض المارّة ونَهْيِه، وخَبَرَاه أكثر من هيئته ومِشيته وتبختره، ومن تجهُّمِه وعُبوس وجهه.

وعندما كان “فوزي” يجوس خلال بعض المكتبات الدينية بحثاً عن بعض الكُتب والمجلدات؛ إذا به يلتقي صاحبه “علوي”..

فوزي: من..؟ “علوي!!” السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بك.

علوي: مرحباً بك يا “فوزي”، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فوزي: كيف الحال يا رجل.. أما تزال حَلِيقَ اللَّحية مُسْبِل الثياب؟

علوي: ادعُ لي فليس الكلُّ سواءً في عُلو الهمَّة والتمسُّك بنَاصِع السُّنَّة.

فوزي: أنت لم تتغير، إشراقك وأخلاقك، وعذب منطقك وأسلوبك، وسحر بيانك وحديثك.

علوي: وأنت هل تغيَّرت مع كرّ السنين ومرّ الأعوام؟

فوزي: تغيرت كثيراً فقد سمنت ووخط رأسي بعضُ شَيْب.

ثم فجأة سقطت حقيبة من يد “فوزي” كان يحمل فيها كُتباً، فإذا ببعض الكتب تقع على الأرض ليتناولها “علوي” مُسرعاً، ويُعيدها في وُدٍّ إلى صاحبه، وقد استرعتْ عناوينُها نظرَ “علوي”، وكان من بينها: “تحريم رابطة العنق”، و”فريضة النقاب”، و”البرزخ والجان”.

عندها قال “علوي” لـ “فوزي” تقول: إنك تغيَّرت كثيراً؟! أنت كما أنت يا صاحبي لم تتغير قيدَ أُنْمُلَة.

فوزي (خَجِلاً ومبتسماً): وأنت ماذا اشتريت من الكتب؟

علوي: “مِن أخلاق الرسول”، “الدين المُعاملة”، “كيف تكون قرآناً يمشي على الأرض؟”.