مقال

الخليفة العباسي هارون الرشيد “جزء 3”

الخليفة العباسي هارون الرشيد “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولقد اقترن اسم هارون الرشيد بأعماله العظيمة التي أنجزها، وهي أنه حقق هارون الرشيد النهضة العلميّة والأدبية في العصر الذي عاشه، حيث قرّب الشعراء، وأهل العلم، والأدباء من مجالسه التي كان يجلسها، وكذلك فقد طوّر نشاط التجارة الخارجية، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات السياسية بين دولة الخلافة العباسية وممالك أوروبا، وأهدى هارون الهدايا القيمة والمميزة إلى الإمبراطور شارمان، وهذا عكس التقدم الذي توصلت إليه حضارة العرب في ذلك الوقت، وقد تولى الخلافة العباسية، وكان عمره خمسة وعشرين سنة، وكنيته أبي موسى، ثم تكنى بأبي جعفر، وكذلك حرص على الطاعة والعبادة إذ قال الخطيب البغدادي أن بعض أصحابه قالوا أن هارون كان يصلي في كل يوم مائة ركعة.

 

واستمر على ذلك حتى فارق الحياة، وكان يتصدق كل يوم بألف درهم، وكان يحج، ويحجج معه مائه من الفقهاء وأبنائهم، وعندما لا يحج هارون كان يُرسل إلى الحج ثلاثة مائة رجل، وينفق على حجتهم ويُكسيهم كسوة الحج، وقد تميّز بحب السنة وتوقير العلماء، وكذلك تميّز الرشيد بحب العلماء، وتعظيم حُرمات الدين، كما كان يكره الكلام والجدال من غير فائدة، وقد فتح كثير من البلاد، وبذلك فقد كان له دو في اتساع رقعة الإسلام، وقد نشر الأمن في البلاد، وازداد الرخاء، وكثر الخير في عهده، وقد عده المؤرخون أول خليفة يلعب بالكرة والصولجان، وقد شهد عدد من الغزوات والوقائع مع ملوك الروم، وكانت جزيتهم تأتي إليه من القسطنطينية طوال حياته، وكما يُعد هارون صاحب حادثة البرامكة، إذ تمكن من القضاء عليهم خلال ليلة واحدة.

 

ولا يمكن التحدث عن سيرة هارون الرشيد دون التعريج على ما قام به من أعمال في خلافته، فقد كانت خلافته رشيدة وانجازاته كثيرة، سواء على الصعيد الداخلي في شؤون الدولة وأمور الرعية أم على الصعيد الخارجي في الحروب والفتوحات، ومن أعماله في الشأن الداخلي للدولة، وقيل أنه أصدر هارون الرشيد عن استلامه الخلافة عفوا عاما يشمل كل من هرب أو اختبأ مستثنيا بعض الزنادقة، وقد استعمل الرشيد مدينة الرقة كعاصمة رديفة للعاصمة بغداد، وقد أقام الرشيد ما يسمى ببيت الحكمة في العاصمة بغداد، وكان يعج بالكتب والمؤلفات من مختلف بقاع العالم، وقد عهد إلى يوحنا بن ماسويه، بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.

 

وقد تمت في عهد الرشيد أو عملية ترجمة إلى العربية لأشهر الكتب العلمية وهو كتاب الأصول في الهندسة والعدد لإقليدس، وتطورت في عهد الرشيد علوم كثيرة منها الفيزياء الفلكية والتقنية، وتطورت الاختراعات ومنها الساعة المائية، وقد أقيم أول مصنع للورق في بغداد في عهد الرشيد، وبدأت السلع الورقية يتم بيعها في سوق الوراقين، وصارت صناعة الورق مفخرة للعباسيين فقد كان لورق بغداد قيمة كبيرة، وقد شجع الرشيد التبادل التجاري بين ولايات الدولة، وعمل على حراسة الطرق التجارية بين الأمصار، وقد بنى مدينة الواقفة بالقرب من مدينة الرقة على ضفة الفرات لتصبح مقرا لحكمه في الصيف، وكذلك من أهم الأعمال في عصر الرشيد إقامة أكبر مستشفى في ذلك العصر، وقد سميت بإسم “مستشفى الرشيد” في بغداد.

 

وقد احتوت على أمهر الأطباء في ذلك العصر، وكانت تحت إدارة يوحنا بن ماساويه وجبريل بن بختيشوع، وقيل أنه خرج هارون الرشيد من بغداد مع جيشه متجها إلى خراسان، للقضاء على ثورة رافع بن الليث، وعيّن ابنه محمد الأمين ليتولى أمور الخلافة في بغداد، أما ابنه عبدلله المأمون فقد رافقه إلى خراسان، وقد عانى الرشيد من ألم في بطنه، لذلك كان يشد على بطنه حزاما من حرير لتخفيف الألم، وعندما وصل منطقة طوس في خراسان اشتد عليه ألم بطنه ومنعه من مغادرة فراشه، واستمر على ذلك إلى أن توفي، وبويع ابنه الأمين لخلافة الدولة العباسية من بعده، ويذكر في وفاته أنه رأى موته في منامه، وكانت رؤياه صادقة، إذ صدقها الواقع، فقد رأى كفا فيه تربة حمراء، وكان شخص يقول هذه تربة أمير المؤمنين.

 

وعندما خرج هارون إلى خراسان مر، بطوس، ومرض في ذلك الموضع، وقال لخادمه أحضر لي شيء من تربة هذه البلاد، فأتى إليه بتربة حمراء في يده، وعندما شاهدها قال والله هذه الكف التي رأيتها في منامي، وكذلك التربة التي كانت فيها، ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن الرشيد أمر بحفر قبره أثناء حياته، كما وأمر أن يقرأ عندها ختمة كاملة للقرآن، وذهب هارون ونظر إلى قبره، وأخذ يقول إلى هنا تصير يا ابن آدم، ثم بكى، وقيل أن روحه قبضت بعد مرور ثلاث ليالي على@ هذه الحادثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى