مقال

النجاح في الحياة 

 

بقلم دكتور نادر علي لطفي

كل إنسان في الوجود يأمل النجاح في الحياة، رجلاً أو امرأة، صانعاً، أو زارعاً، أو تاجراً، أو أديباً، أو عالماً، وإن اختلفت الصورة التي يرسمها كل لغايته في النجاح.

وهناك صفات كثيرة لابد منها في النجاح، بعضها خاص بنوع العمل الذي يعمله الشخص؛ فالتاجر تلزمه صفات خاصة لنجاحه قد لا يتطلبها نجاح العالم أو الأديب

وهناك صفات عامة لابد أن يتصف بها كل مريد للنجاح.

وقد دلت التجارب على أن النجاح في الحياة _ على وجه العموم _ يعتمد على الأخلاق أكثر مما يعتمد على العلم،

ومن أمثلة ذلك ما يشاهد من تجار كبار كانوا أميين أو شِبْهَ أميين بنوا لأنفسهم مجداً في التجارة،

 

ونجحوا فيها نجاحاً باهراً؛ بجهدهم واستقامتهم، وحسن سمعتهم، ومعرفتهم _ بالسليقة _ نفسيةَ الجمهور

 

ثم رزقوا أولاداً أرادوا أن يكونوا خيراً منهم في التجارة؛ فأرسلوهم إلى ألمانيا أو فرنسا أو إنجلترا،

وعلموهم على آخر طراز، ونالوا الشهادات العالية في الاقتصاد وما إليه،

ثم عادوا وحلَّوا محل آبائهم بعد وفاتهم، وكانت النتيجة أن خسرت تجارتهم، وأُقفلت محالُّهم بعد إفلاسهم، وأصابهم الفقر بعد الغنى.

وبين أن آباءهم الأميين، أو شبه الأميين كانوا خيراً منهم، وليس المسؤول عن نجاح الأولين، وفشل الآخرين هو الجهل أو العلم، ولكن الأخلاق،

فالأب _على أميته_ كان يحسن الأخلاق التي تتطلبها التجارة، فنجح، والابن لم يحسنها، ففشل

ولو كان الابن المتعلم في مثل أخلاق أبيه الجاهل لكُتب له من النجاح أكثر مما كتب لأبيه، وهكذا في كل نواحي الحياة.

 

أمثلة لناجحون بلا أخلاق

 

قد يضرب الناس أمثلة كثيرة بقوم فاسدي الأخلاق نجحوا في الحياة برذائلهم حيث لم ينجح كثير من الناس بفضائلهم، ولديهم أمثلة كثيرة على ذلك وخاصة في أيام الحرب؛

فالتاجر المستقيم ربح بحساب أو لم يربح مطلقاً، والتاجر الذاعر(2) ربح من غير حساب،

 

والموظف الأمين عاش على مرتبه الضئيل، والموظف الخائن حاز الأموال الطائلة حتى لم تعد تهمه الوظيفة،

ثم الموظف المتملق لرؤسائه قد يرقى على أكتاف الموظف المستقيم وهكذا…

قد يكون هذا صحيحاً، ولكن لابد أن تحسب راحة الضمير للمستقيم وقلقه عند الخائن،

وتحسب احتقار الرأي العام للخائن واحترامه للنزيه،

وتحسب حساب المسؤولية أمام الله،

وتحسب حساب أن المال الحرام قلما يفيد صاحبه، وأولاده؛ لأسباب دينية ونفسية واجتماعية،

وتحسب حسابَ مَنْ ضُبِطوا في حياتهم، فعوقبوا، فخسروا الدنيا والآخرة؛ فلو حسبت حسابَ هذا كلِّه لترددت كثيراً في تسمية هذا نجاحاً.

وهَبْهُ صحيحاً؛ فأغنياء الحرب الذين اكتسبوا من طريق الرذائل استثناءٌ من الحياة العامة،

ومن نجحوا في السلم عن طريق غشهم وخداعهم وملقهم استثناء من الحياة العامة.

أما القانون العام في كل زمان ومكان فهو أن النجاح في الحياة يتوقف كثيراً على الأخلاق التي يستلزمها العمل من صفات خاصة وعامة

من اعتدال في الحياة، وضبط للنفس، وجدٍّ في العمل، وأمانةٍ واعتماد على النفس، وثقةٍ بها،

وإخلاص في العمل، وإخلاص لنفسه، وللناس، وصدق في المعاملة إلى غير ذلك من فضائل.

وكلما رقيت الأمة كان من مظاهر رقيها نجاح الذين يعتمدون على أخلاقهم وفشل الذين يعتمدون على رذائلهم.

 

الأمم والأفراد

 

وهكذا الشأن في الأمم، تنجح الأمة في عالم التجارة إذا حسنت سمعتها، وحسنت معاملاتها، وحسن إنتاجها، وتفشل إذا انهارت هذه الأخلاق.

وتنجح في السياسة إذا صدقت في وعودها، وشرفت في معاملاتها، وخَدَمَتِ الإنسانية بأغراضها؛

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى