مقال

نسائم الايمان ومع المدينة المنورة ” الجزء السادس عشر “

نسائم الايمان ومع المدينة المنورة ” الجزء السادس عشر ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس عشر مع المدينة المنورة، وقد توفنا مع الملك العادل نور الدين زنكى، ويقول ابن الأثير في بيان فضله، قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أرى بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف منه، قد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يوليه، وإنعام يسديه، فنور الدين رحمه الله لم يأبه بأبهة الحكم والسلطان ولم يتقاضى راتبا من بيت المال المسلمين، وإنما كان يأكل ويلبس هو وأهله من ماله الخاص، ولم يكن له بيت يسكنه، وإنما كان مقامه في غرفة في قلعة قد اشتراها من ماله.

 

يحل فيها عندما يعود من ساحة الجهاد، وقيل عنه نور الدين أمره عجيب، يقولون عدول العالم الإسلامي ستة الخلفاء الراشدون أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبدالعزيز ونور الدين زنكي، فكان إذا بقي من الليل ثلث، قام الحراس على قصره، فأيقظوا أهل مدينة دمشق وأيقظوا العسكر يصلون كلهم في الليل حتى يأتي الفجر، وكان يقاتل في سبيل الله في الغزوات، فجمع الغبار الذي اجتمع له من الغزوات وصنعت منه لبنة له، وجعلت عند رأسه في القبر، هذا الغبار الذي كسبه في المعارك من ثيابه، ومن خوذه، وملابسه على فرسه جمعوا منه لبنة توسدها رضي الله عنه وأرضاه، فكان نور الدين محمود وهو في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف.

 

منذ أن تسلم الحكم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبيين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس، وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن الانتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير حافل بالتضحيات في خطوات متتابعة تقرب كل منها يوم الحسم، فالخطوة الأولى التي كان قد بدأها والده عماد الدين زنكي حين حرر إمارة الرها التي تشكل تداخلا مع الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأراضي الداخلية وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية، لذلك وضع أسس سياسة متكاملة تتضمن توحيد بلاد الشام أولا، ثم توحيد بلاد الشام ومصر.

 

التي كانت تعاني من الاضطرابات وفوضى الحكم ثانيا، وطرد الصليبيين من المنطقة ثالثا، وكان التوحيد في نظره يتضمن توحيد الصف والهدف في آن واحد، فأما توحيد الصف فهو جمع بلاد الشام ومصر في إطار سلطة سياسية واحدة، وأما توحيد الهدف فهو جمع المسلمين تحت راية مذهب واحد هو مذهب أهل السنة، وكان كلما توغل في خضم الجهاد، وتقدم به الزمان يزداد اقتناعا بصواب هذه السياسة، وكان سبيله إلى ذلك مزيجا من العمل السياسي والمعارك العسكرية التي تخدم توحيد الصف والهدف، وقد استهل نور الدين حكمه بالقيام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام، ثم قضى على محاولة جوسلين الثاني.

 

لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي، وكانت هزيمة الصليبيين في الرّها أشد من هزيمتهم الأولى وهزم الحملة الصليبية الثانية، وقد وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وتعرضت لخسائر هائلة، وعجزت عن احتلال دمشق، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى