مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الإمام إبن حزم الأندلسي، وأجمعوا على أن الإسلام زائل عنه فقول ابن حزم في النقل عنهم إنه مسلم خطأ عليهم صادر عن أمرين عن عدم المعرفة بعقائدهم وعن عدم التفرقة بين الإيمان والإسلام، وكما أيضا ممن رد على ابن حزم هو الحافظ الإمام أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي حدث عن عمه طاهر الحافظ وأبي علي الغساني وأجاز له أبو الوليد الباجي وكان حافظا متقنا ضابطا عارفا بالأدب وفنونه حدث بقرطبة وخلف شيخه أبا علي في الإفادة وله رد على ابن حزم مات سنة خمس عشرة وخمسمائة عن اثنتين وأربعين سنة، وكما كان من أكثر المهتمين بفقه ابن حزم وتراثه من المعاصرين الشيخ أبو تراب الظاهري والشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة.

 

والأمام الألباني والشيخ مقبل بن هادي الوادعي وكذلك الأديب سعيد الأفغاني وغيرهم كثير جدا، وقيل أنه قد وقعت حادثة لابن حزم وهو في أواسط العشرينات من عمره دفعت به إلى طريق العلم الشرعي، حيث تعرض لموقف حرج بان فيه قلة علمه وفقهه، فقرر سلوك طريق العلم والبحث، وترك طريق الوزارة والرياسة، فتفقهه أولا على مذهب الشافعي، ولم يكن مذهبا رائجا بالأندلس، فالسوق بها كان للمالكية، ومع تبحره في العلوم الشرعية، ونهمه الشديد في الأخذ من الأصول المباشرة، وصل إلى مرحلة الاجتهاد، وقد أدّاه اجتهاده إلى نفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النصوص والعموميات الكلية، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وبالجملة جدد القول بالظاهر، وهو المذهب الذي وضعه الإمام داود بن علي بالعراق في القرن الثالث الهجري، وكان ابن حزم ينهض بعلوم جمة، وفنون كثيرة.

 

مع إجادة تامة للنقل والعرض والتصنيف، وفوق ذلك كله كان شاعرا مطبوعا، وأديبا بليغا، ومؤرخا ناقدا، عاصر فترة عصيبة في الأندلس، طارت شهرته في الأندلس كلها حتى تعدت البحر، ووصلت إلى بلاد المغرب والمشرق، وصار رأسا من رءوس الإسلام، عديم النظير، وكان الإمام ابن حزم يتصف بعدة صفات منها قوة الحافظة، البديهة الحاضرة، عمق التفكير والغوص في الحقائق، الصبر، الجلد، المثابرة، الإخلاص، الصراحة في الحق، الوفاء، الاعتزاز بالنفس من غير عُجب ولا خُيلاء، كما أن هناك اتفاق بين أهل العلم أن أكثر علماء الإسلام تصنيفا وتأليفا الإمام ابن جرير الطبري، يليه الإمام ابن حزم الأندلسي، فلقد ترك ابن حزم ثروة علمية ضخمة وشاملة في شتى أنواع الفنون، لا يعلم مثلها إلا من قلة نادرة من فطاحل أهل العلم، وله مصنفات بديعة، ومؤلفات باهرة في الفقه والحديث وأصول الدين.

 

والمذاهب والفرق والتاريخ والأدب والطب، ويأتي على رأس مصنفاته كتاب المحلي بالآثار، الذي قال عنه العز بن عبد السلام سلطان العلماء ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم، وكتاب المغني لابن قدامة، ولابن حزم كتب أخرى بلغت كما قال عن ذلك ولده أبو رافع الثمانين ألف ورقة، ومن أهم كتبه الإيصال في فهم الخصال وهو في خمسة عشر ألف ورقة، وكتاب الجامع في صحيح الحديث، واختلاف الفقهاء، ومراتب الإجماع، والإملاء في قواعد الفقه، والفرائض، والفصل في الملل والنحل وهو من كتب الفرق الشهيرة، ومختصر في علل الحديث، وطوق الحمامة وهو من الكتب المثيرة للجدل، والتي جلبت على ابن حزم كثيرا من اللوم، ونقط العروس وهو من الكتب الرائعة في التاريخ، وجلب عليه كثيرا من المحن مع ملوك عصره، والرسائل الخمس، أو جوامع السيرة، ورسالة في الطب النبوي، والإحكام في أصول الأحكام.

 

وهو من كتبه الفريدة في بابها، وعلى منوالها نسج من جاء بعده مثل الآمدي والرازي وابن الحاجب وغيرهم، والآثار التي ظاهرها التعارض، ونفي التناقض عنها، وهو في عشرة آلاف ورقة، وهو من أروع ما كتبه هذا الإمام الفذ العلامة، وله مصنفات أخرى كثيرة يضيق المقام بذكرها تدل على سعة علمه، وسيلان ذهنه، وذكائه المفرط، وبصيرته النافذة لأحوال عصره، وقد بدأ ابن حزم طلبه للعلم بحفظ القرآن الكريم، ثم رواية الحديث، وعلم اللسان، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه، فدرسه على مذهب الإمام مالك لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حرا، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهب ولذلك انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي، فأعجبه تمسكه بالنصوص واعتباره الفقه نصا أو حملا على النص، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان.

 

ولكنه لم يلبث إلا قليلا في الالتزام بالمذهب الشافعي، فتركه لمّا وجد أن الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس، وكل وجوه الرأي أيضا، ثم بدا له أن يكون له منهج خاص وفقه مستقل، فاتجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدد في ذلك، حتى إنه كان أشد من إمام المذهب الأول داود الأصفهاني، وبعد رحلة كفاح طويلة توفي الإمام إبن حزم الأندلسي في منزله في أرض أبويه منت ليشم المعروفة بمونتيخار حاليا، وهي عزبة قريبة من ولبة، بقرطبة وكان ذلك يوم الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة ربعمائة وست وخمسين من الهجرة، الموافق الخامس عشر من شهر أغسطس لعام ألف وأربعة وستين ميلادي، عن إحدى وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى