مقال

السياسيون هم من يعالجون المرضى وليس الأطباء

السياسيون هم من يعالجون المرضى وليس الأطباء
……………
رشيد مصباح (فوزي)
……………
مداوروش في:
الثلاثاء 6 يوليو 2021
الموافق لـ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٢ هـ
……………
في سنة( 2011) شعرتُ بمغص شديد في بطني، نفسه الذي شعرتُ به منذ عقد ونيف؛
كنتُ يومها أعاني من مشاكل نفسية ومعقّدة، جعلتني أستهلك السجائر بكثرة. لكن أياما بعدها، وبفضل الله عزّ وجل، ذهب عنّي ذاك المغص وتحسّنت حالتي حينما امتنعتُ عن التدخين و تناول الطعام الثّقيل خاصّة عند المساء وتوقّفتُ أيضا عن شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحّتي. لكن في هذه السنة التي عاودني فيها كان السّبب ربما هو قلّة الحركة؛ بمعنى الخمول وكثرة الجلوس في المكتب. لأننّي فور حصولي على منحة التقاعد، أردتُ أن أتحرّر من كل القيود، ومزاولة نشاط مهني حرّ. ففتحتُ مكتبا خاصّا لي بالبيت، وقمتُ بتأثيثه وتجهيزه بكل ما يلزم لتوفير أسباب الرّاحة بعدما اقترضتُ مبلغا من المال من أحد الأصدقاء جزاه الله عني كل خير.
لكن المغص الّلّعين الذي حسبته قد ذهب إلى غير رجعة، جاء ليزورني هذه المرّة وأنا في المكتب منهمكا في البحث والتنقّل بين المواقع الافتراضية، و “رب ضارّةٍ نافعة” كما يقول المثل.[وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ]. أو كما جاء في المثل الفرنسي الذي يقول: (A quelque chose malheur est bon)؛ فقد تعلّمتُ من هذه المواقع الافتراضية أشياء عديدة: كيف أُعالج نفسي بنفسي، في غياب الطبيب. وكان من بين تلك الأشياء التي تعلّمتها أن الوعي بالمرض ومعرفة أسبابه شطرً من العلاج” طبيب النّفس مولاها” كما يقول المثل بالعامية.
حينما اشتدّ بي الألم، طلبتُ من ولدي الأكبر أن ينده لي على سيار أجرة، ويحملني إلى أقرب عيادة. التصوير بالرّنين المغناطيسي فرز وجود حصى بالمرّارة، فطلب الطبيب منّي إجراء التّحاليل اللاّزمة قبل إدخالي إلى المستشفى، واستئصالها بواسطة المنظار.
تجوّلتُ بين المخابر العديدة، وكانت المفاجأة، والأخبار السيّئة تأتي تترا؛ جاءت نتائج الفحص المتعلّقة بالفيروس الكبدي (س) موجبة، ولم أكن أعرف شيئا عن هذا الفيروس اللّعين. وشجّعني هذا الخبر البائس على البحث في مختلف المواقع والمنتديات بالشبكة العنكبوتية، لعلّي في النهاية أعثر على جواب لي من أحد المجرّبين الخائفين او الخجولين. والخوف هنا طبيعي جدّا بالنّظر إلى خطورة هذا المرض الذي أطلق عليه الأطبّاء اسم: ” الموت البطيء”، وأمّا الخجل فلديه ما يبرّره أيضا كونه من الأمراض المعدية التي تتسبّب فيها العلاقات الجنسية وشرب الخمر وتعاطي المخدرات وأخذها عن طريق الحقن.
ولا داعي لذكر كل التفاصيل عن تعرّضي للتسمّم من جرّاء تناولي لأنواع من الأعشاب السّامةّ والمقزّزة والخطيرة…،كوني لا أتورّع عن الأخذ بأيّ تجربة ونصيحة أجدها أمامي. لكن الأهم من كل ذلك هو أنّني لم أتوان في إشباع فضولي. فتشكّلتْ لديّ جملة من الأفكار ولّدتْ لديّ قناعة: أنّ لا شيء مستحيل في هذه الدنيا. كما أنه لا وجود لشيء اسمه “مرض عضال”. و كما جاء فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ “لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا … عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ”. وحين زرتُ طبيبة الميكروبيولوجي بالمستشفى طلبتْ منّي و بعجالة تناول الدواء المضاد للفيروس، بعدما ألقتْ نظرة على تقرير المخبر الفرنسي الذي يحدّد النّمط الجيني أو الوراثي للفيروس. ثم دخلتُ معها في نقاش واسع وعريض حول مدى نجاعة الدّواء الذي يتحتّم عليّ أخذه، ولم تكن تنتظر منّي أنّني سأرفض تناوله، لأنّ المسؤولين الذين قاموا باستيراد كميات كبيرة منه بالعملة الصعبة وكلّفوا خزينة الدولة مالا تطيق، لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث في مدى نجاعته. وقد تبيّن فيما بعد أن الأضرار الجانبية التي يخلّفها هذا “الرّهج” جد خطيرة، كونه يتسبّب في مرض السكّري، و ارتفاع ضغط الدم، ويؤدّي في نهاية الأمر إلى الفشل الكلوي وبنسبة كبيرة إلى تليّف الكبد… وإلى الموت الحتمي في آخر المطاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى