مقال

نسائم الايمان ومع الحياة الطيبة ” الجزء الأول “

نسائم الايمان ومع الحياة الطيبة ” الجزء الأول ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

إن الحياة الطيبة هي الحياة التي فيها ثلج الصدور بلذة اليقين، وحلاوة الإيمان والرغبة في الموعود والرضا بالقضاء، والاستكانة إلى معبود واحد، وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة فله الجزاء الحسن والثواب الأوفى، وإن الحياة الطيبة إنما تكون في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيقول تعالى “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون” فالحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وليس له سوى حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا.

 

وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” رواه البخاري ومسلم ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ” رواه مسلم، فسعادة العباد في كمال عبوديتهم لله، وكلما أكمل العبد مراتب العبودية لله كلما كانت سعادته أكمل في دنياه وآخرته، وقد وصف الله عز وجل أكابر خلقه من الأنبياء والرسل والملائكة بالعبودية وشرّفهم بوصفها قال ابن تيمية “من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية”

 

ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا، دخولي تحت قولك ياعبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا، وللإيمان باليوم الآخر والبعث والنشور أثر في السعادة ويحيي في نفوس المؤمنين معاني الصبر والاحتساب والرضا والعفو والبذل في سبيل الله عز وجل فالمؤمن يعلم أن الدنيا دار بلاء وليست دارا للجزاء أو النعيم، فإذا أصيب ببلاء فإنه يتعزى بالصبر والاحتساب لعلمه أن الله عز وجل يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، فيرضى بثواب الله ويسلم لقضائه الله، فهو في خير دائم كما يقول النبى صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن ” رواه مسلم.

 

فإن الله خلق الخلق وقسمهم إلى فريقين فريق أهل الإيمان وفريق أهل الطغيان فيقول تعالى “فريق في الجنة وفريق في السعير” فمنهم شقي وسعيد، والسعادة مطلب البشرية جمعاء، والذي لا يأبه بها إما مغلوب على عقله، أو مغفل أحمق، وقد تخبط الناس وتحيروا في التماس طريق السعادة ففريق ظن أنها في المال وكثرته فسعى في جمعه ليل نهار، وآخرون توهموا أنها في طلب الشهوات وإشباع الغرائز الحيوانية، وهناك مَن سعى خلف الشهرة والجاه لتحصيل السعادة، والحق أن هؤلاء وهؤلاء طلبوا سعادة زائفة وتجارة خاسرة، وسعوا خلف خيال طيف وسحابة صيف، فيقول تعالى “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب”

 

وإن أصحاب هذه المطالب في حقيقة الأمر لم يجنوا إلا الهم والغم والحزن والضنك، فالسعادة ليست بالمال فقارون أشقاه ماله، تكبر وعلو، وفي النهاية “فخسفنا به وبداره الأرض” وفي الآخرة يقول “ما أغنى عني مالية” ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ” رواه البخارى، والسعادة والشقاء إنما يقومان في القلب، والقلب لا يسعد إلا بالله عز وجل ومحبته وعبادته فيقول تعالى “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” وفي القلب فقر وفاقة وحاجة واضطرار إلى الله عز وجل فمهما جمع العبد من الأموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى