مقال

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الخامس “

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الخامس ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الحياة، وإن الزهد في الدنيا جاء في قوله تعالى كما جاء فى سورة القصص “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة” فالله عز وجل آتاك المال وآتاك العلم وآتاك الوجاهة وآتاك القوة وآتاك الخبرة، فكل هذه الحظوظ إذا آتاك الله منها ابتغ بها الدار الآخرة، وهذا هو التصعيد، وهذا هو التحويل وهو أن توظف الحياة الدنيا من أجل الآخرة، وليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه إلا أن يأخذ منهما معا، فإن الأولى مطية للثانية، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، والكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت.

 

والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وإن من أعظم الأسباب التي تحصل بها الحياة الطيبة هو الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان الصحيح، يثمر العمل الصالح، وعند ذلك تتحقق الحياة الطيبة في الدنيا، والفوز بالجنة في الحياة الآخرة، ومن أسباب الحياة الطيبة هو الرضا، فلا يمكن أن تحصل السعادة إلا لمن يؤمن بالله تعالى، ومن الإيمان بالله هو الإيمان بقضائه وقدره، والرضا بقسمه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا” رواه مسلم، والإنسان في هذه الدنيا لا بد أن ينتابه شيء من الهموم والمصائب، فإن لم يرضى بالقضاء والقدر هلك، والله تبارك وتعالى لا يفعل شيئا عبثا.

 

ولا يقضي أمرا يريد به عُسرا لعباده، والخير مطوى في جوف ما نظنه كارثة وشرا، ومن أسباب الحياة الطيبة هو التوكل على الله، فقال تعالى فى سورة الطلاق “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” وحُسن الظن بالله تعالى يدعو العبد إلى التوكل عليه، فلا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه، والله تعالى تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، والهداية والوقاية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” والغبن أن يشتري المرء بأغلى من الثمن المعتاد، أو يبيع دونه، فمن صح بدنه، وتفرغ من الأشغال العائقة، ولم يسع لصالح آخرته.

 

فهو كالمغبون في البيع، والمقصود من الحديث أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ، بل يصرفونهما في غير محالهما، وقال ابن الجوزي رحمه الله “قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لانشغاله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله، فهو المغبون لأن الفراغَ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم، لكفى” وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال.

 

عن عمره، فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به” رواه الطبراني والبزار، فالإنسان يُسأل عن عمرِه بصفة عامة، وعن شبابه بصفة خاصة، مع أن الشباب جزء من العُمر، لكنه خُص بالمسألة والذكر لأنه ربيع العمر، وقمة النشاط والحيوية والعطاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال؟ فشر غائب ينتظر، أو الساعةَ؟ فالساعة أدهى وأمر”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى