مقال

الدكروري يكتب عن ظاهرة الفساد فى الأرض ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ظاهرة الفساد فى الأرض ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن ظاهرة الفساد فى الأرض أصبحت ظاهرة خطيرة تصيب جميع مجتمعات العالم، النامية والمتطورة والمتقدمة منها على حد سواء، وإن كان بدرجات متفاوتة، ومن المؤسف أن معدلات الفساد آخذة في الازدياد، فضلا عن تنوع المجالات التي يلحقها، وإن الفساد هو ضد الإصلاح، حيث قال الليث أن الفساد نقيض الإصلاح، وقال الراغب أن الفساد خروج الشيء عن الاعتدال سواء أكان الخروج عليه قليلا أم كثيرا، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس فهو إفساد، وأما الإفساد في الاصطلاح، فقد ذكر أهل العلم أنه إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح، والفساد ظاهرة عامه، وهو نوع من العلاقة يتم فيها انتهاك القيم والمثل والمعايير والقوانين، وللفساد درجات مختلفة، منه البسيط ومنه الواسع المعقد، والفساد قد ينال كل مظاهر الحياة وكل جوانبها من دون استثناء.

 

وقد يمارس الناس الفساد دون أن يعترفوا بذلك، بل قد يدعون أنهم مصلحون كما في قوله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ” وإن الله عز وجل، قد أمر بالإصلاح، وأرسل أنبياءه ورسله الكرام بذلك فقال قائلهم كما جاء فى سورة هود فى قول الحق سبحانه وتعالى” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت” وقد نهى المولى سبحانه وتعالى عن الفساد والإفساد في الأرض، وقال تعالى فى سورة الشعراء “ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يحب الفساد، ولا يمكن أن يجتمع الصلاح والفساد معا إلا أن يتدافعا ليظهر الصلاح من الفساد، فقال عز وجل فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ” فسبيل المصلحين معروف، وسبيل المفسدين معروف، والإصلاح ضد الفساد.

 

والفطر والعقول السليمة تميز ذلك، ولا يمكن أن يلبس على الناس في الإصلاح والإفساد أحد، ولا يروج ذلك إلا على الأغبياء، ولا عجب أن كان الإفساد في الأرض بعد إصلاحها أعظم الإفساد وأقبحه، والله تعالى قد بين أن أعظم إفساد في الأرض هو الشرك، فقال العلامة ابن القيم رحمه الله في تعليقه على قوله تعالى فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ” إن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره، وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله تعالى وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود، وأن تكون الدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم.

 

ليس إلا، والله سبحانه أصلح الأرض بالرسل وبالدين وبالأمر بالتوحيد، وكان أبو البشرية موحدا، ونهى سبحانه وتعالى عن إفساد الأرض بالشرك وبمخالفة الرسل، ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض سببه التوحيد، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء سببه مخالفة الرسل والدعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه، وفي حق غيره عموما وخصوصا، وفي شرائع السماء كلها نهي الله تعالى عن الفساد في الأرض، وعند العقلاء كلهم يمقت المفسدون ويكره المستبدون، وإذا كثرت الأمور المتفق عليها بين الناس كان الفساد واحدا من هذه الأمور التي يجمع الناس على كرهها، الفساد صور وأشكال، والمفسدون لهم علامات وأمارات.

 

ومهما زُين الفساد بطلاء خادع، أو خادع المفسدون وروجوا لفسادهم فلا يمكن أن يتحول الأسود إلى أبيض، أو المكروه إلى محبوب، وإن الله لا يحب الفساد، وعباد الله كذلك لا يحبون الفساد، وإن ملأ الفساد البر والبحر، وفي قديم الزمن، وحديثه هناك عن أساطين للفساد آذوا عباد الله، وتطاولوا على الله تعالى، وأكثروا في الأرض الفساد، ثم تراهم يخادعون الناس بمحاربة الفساد، ويتهمون غيرهم بالفساد، ألم يقل فرعون في اتهامه لنبى الله موسى عليه السلام كما جاء فى قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة غافر” إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد ” ولكن حبل الكذب قصير، والتزوير لا يدوم، ولئن خدع فرعون قومه واستخف بهم فأطاعوه فترة، فقد انكشف لهم السراب الخادع، وثار الأقربون على فرعون، وقال السحرة المؤمنون كما جاء فى سورة طه ” إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى