مقال

نفحات إيمانية ومع أسواق الدنيا الفانية “الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع أسواق الدنيا الفانية “الجزء الرابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع أسواق الدنيا الفانية، فقد كانت التجارة المدنية قبل الهجرة على الأغلب حكرا على اليهود وبالأخص يهود بني قينقاع، إذ كان لهم سوق يعرف بأسمهم، سوق بني قينقاع، يبيعون فيه تجارتهم ويمارسون الربا مستغلين حاجة الناس الى أقصى حد، وفي المقابل أنشغل العرب في المدينة بأصلاح زروعهم ومعالجتها، فتركوا الساحة التجارية خالية من أي منافسة، وقد ترتب على هجرة المسلمين من مكة الى المدينة أثارا أقتصادية كبيرة الى جانب غيرها من الأثار الدينية والأجتماعية، إذ أن العديد من المهاجرون كانوا قد أحترفوا التجارة، حيث أمتزجت الأفكار التجارية فيهم أمتزاج الروح بالجسد، وأمست شهرتهم فيها حديث الناس أين ما حلوا ورحلوا، ولذا ولد هذا الأمر شعورا سلبيا عند تجار بنو قينقاع.

 

مفاده أن هؤلاء التجار سينافسونهم في التجارة، ويكسرون الطوق التجاري الذي فرضوه على السوق، لذا فقد وجد المهاجرون نوعا من المضايقة في تعاملهم مع اليهود، وقد حفز هذا الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنشاء سوقا مستقلة عن سوق اليهود لعدة أسباب منها أعطاء الفرصة لتطبيق مبادى الاسلام في التجارة ومنع الإضرار بالأخر أولا، وتوفير فرصة عمل للتجار المكيين الذين فقدوا تجارتهم بسبب الهجرة ثانيا، وتلبية متطلبات أهل المدينة الذين زاد عددهم زيادة ملحوضة بعد الهجرة ثالثا، وقد كانت هناك عدة أفكار تشغل النبي صلى الله عليه وسلم في أنشاء هذا السوق فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال “هذا سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج”

 

وهذا يعني عدة أمور من الناحية العملية منها جعلها سوقا واسعة تتسع للجميع، ومنع تضيقه أي التجاوز على أرضه أو أقتطاع مكان معين لشخص معين، فضلا عن أتساعه للخبرات المكية الوافدة وفك الشراكة مع بني قينقاع في التجارة، فضلا عن أعفاء من يزاولون التجارة فيها من الضرائب أي جعلها سوق حرة وفق التعبير المعاصر، أضافة الى جعلها ملكية عامة للتجار فليس لأحد فيها مُلك خاص، فهي لهم جميعا بحيث يكون الوقوف في موضع البيع حسب أسبقية الحضور، وهو أمر يعكس القدرة العقلية الفذة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأمكانيته في أدارة الدولة الحضارية، ولم تقف أجراءات النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الحد، فقد أقتضت سيرته العطرة في التجارة أن تزال أسباب الخلاف المترتبة على المعاملات التجارية.

 

والتي تنطوي على الكثير الظلم، وتتسبب بالخلافات بين التجار ومن امثال هذه الامور، الربا والغش والغرر واستقبال الناس عند بداية السوق واخذ بضائعهم بثمن اقل من ثمن السوق وبيع المحصول قبل أوانه وغيرها الكثير، مما أعطى الحياة الأقتصادية في المدينة النبوية الأمان من خلال الثقة التي لمسها التجار من النبي والمسلمون، وأصبح سوق المدينة الفتي حديث الناس في صدق التعامل ومنع الجور والاستغلال، ولكن ما هو الرد على من يتخذ قصة تولية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب السيدة الشفاء العدوية على حسبة السوق في جواز الولايات العامة للمرأة والقضاء؟ وهل القصة ثابتة؟ فأما عن تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبدالله القرشية العدوية حسبة السوق، فقد وردت في كتب التراجم والسير.

 

ففي تهذيب الكمال عند ترجمة الشفاء قال وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من أمر السوق، وفي تهذيب التهذيب مثل ذلك وفي الإصابة أيضا، ولكن هذه القصة لا تعتبر حجة في إباحة تولية المرأة الولايات العامة والقضاء، إذ المناصب القيادية والمسؤوليات الكبرى يلزم أن تكون بأيدي الرجال الأكفاء، وقد أجمع أهل العلم على أن الإمامة الكبرى تشترط لها الذكورة لما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي بكر الصديق رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” والقضاء ومافي معناه من الولايات كذلك فتشترط لها جميعا الذكورة، إلا عند الحنفية، فقد أباحوا للمرأة تولي القضاء واستثنوا لها الحدود فلا تحكم فيها النساء عندهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى