مقال

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء السادس عشر “

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء السادس عشر ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس عشر مع التخطيط والهجرة النبوية، ويستنبط من موقف كتمان ميعاد الهجرة عن أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر حتى ساعة التنفيذ، وهذه سياسة رشيدة عند التعامل مع الأعداء، وإن من التخطيط السليم هو توزيع الأدوار والاختصاصات وتوفير الأدوات، وإن سياسة تحديد وتوزيع الاختصاصات والمسئوليات من الأشياء المهمة في أي خطة، فلم تكن الهجرة عملا عشوائيا، بل كانت خطة محكمة جدا وتنظيما دقيقا، وزعت فيها الاختصاصات وحددت المسئوليات على هذا النحو، فكان أول الأختيار هو رفيق الرحلة، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرافق الرسول صلى الله عليه وسلم ويعاونه ويساعده ويشتري راحلتين.

 

وكذلك رد الودائع والأمانات والتعمية على الكفار، ويقوم به الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه، فينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم للتمويه ويرد الأمانات والودائع لأصحابها، وكذلك اختيار رجل المخابرات العامة ونقل المعلومات، ويقوم به عبد الله بن أبي بكر الصديق رضى الله عنهما، فلا يكفي أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم في الغار مدة معينة ثم ينطلق إلى المدينة حسب تقديره وظنه فلا بد من التعرف مباشرة على كل أسرار العدو مخططاته وتوقعاته بحيث تصل أول بأول إليه صلى الله عليه وسلم فيكون متابعة تنفيذ الخطة قائما على خبرة الواقع لا على الظن يخطئ ويصيب فكان عبدالله بن أبى بكر يسمع أخبار مكة نهارا ويقضي النهار معهم.

 

ثم يأتي بالليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار يبيت معهم، وقبل الفجر يذهب إلى مكة، وكأنه نائم في مكة، وكلما كانت القيادة أعلم بواقع العدو، وأدرى بأسراره، ولها في صفوفه من ينقل إليها كل تخطيطاته، كلما كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها، ومن التخطيط السليم للهجرة أيضا هو تأمين الزاد حيث تقوم به أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وكانت حامل في شهورها الأخيرة وكانت تصعد في الجبل الوعر الشامخ ذو الأحجار الكثيرة، وكذلك من التخطيط هو إخفاء أثر الأقدام، وكان يقوم به عامر ابن فهيرة، فيقوم برعي الأغنام ليعفي أثر الأقدام، ونجحت هذه السياسة في إخفاء محاولة المشركين في العثور على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه.

 

وإن من الخطيط هو الإستعانة بالخبراء، ولقد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم سياسة الاستعانة بالخبراء حتى ولو كانوا من غير المسلمين، ولقد استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط الليثي ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره من الخبراء في ذلك، وتقول كتب السيرة “لقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق، عبد الله بن أريقط الليثي الكافر، وكان هاديا ماهرا بالطريق وأمناه على ذلك، وسلما إليه الراحلتين، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وجاءهما عبد الله في المكان والميعاد المتفق عليه، ولقد استنبط فقهاء الإسلام أنه يجوز الاستعانة بغير المسلم عند الضرورة متى كان خبيرا وأمينا.

 

ولقد كان توزيع دقيق للمسئوليات في إطار سياسة رشيدة وخطة محكمة، ولذلك تحققت المقاصد والأهداف بدون ارتباك أو خلل، وهذا ما يجب الاستفادة منه في إدارة شئون حياتنا كلها وفي دعوتنا الإسلامية، وكان من التخطيط السليم هو التموية والسرية والكتمان، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على كتمان الأمر وأخذ السرية التامة تقول أمنا عائشة رضي الله عنها ” بينما نحن جلوس في بيتنا بمكة في حر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغطيا رأسه في ساعة لم يأتينا فيها، وقد أوصي النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعانة بالسرية فقال صلى الله عليه وسلم ” استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى