مقال

نفحات إيمانية ومع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية “جزء 4”

نفحات إيمانية ومع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية، وبإرشاد منه كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه، ويقول الموفق المكي مبينا طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه “فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهرا أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول.

حتى أثبت الأصول كلها، وبناء على ذلك فإن تلاميذ أبي حنيفة كانوا مشاركين في تأسيس هذا البناء الفقهي، ولم يكونوا مجرد مستمعين، مُسلمين لما يطرح عليهم، ولم يكن أبو يوسف وحده هو الذي يقوم بتدوين ما استقر عليه الرأي، بل كان يوجد في حلقة أبي حنيفة عشرة يقومون بالتدوين، على رأسهم الأربعة الكبار أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، زفر بن الهذيل، الحسن بن زياد اللؤلؤي، ولقد قام هؤلاء الأصحاب خاصة الصاحبين أبا يوسف ومحمد بن الحسن بعد وفاة شيخهم بجهود كبيرة في تطوير المذهب وتنقيحه فقاموا بتنقيح تلك الآراء التي اعتمدوها على عهد شيخهم، وأعادوا النظر فيها، وراجعوها في ضوء ما استجد من أدلة.

وما حصل من تغير في حياة الناس ومشاكلهم، ولذا وجدنا أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد تراجعا عن كثير من الآراء التي اعتمدها إمامهم لما اطلعا على ما عند أهل الحجاز وكان من آثار ذلك أن خالفوا إمامهم في جملة من المسائل الأصلية والفرعية، ومع ذلك فهم مجتهدون ومنتسبون إلى الإمام لأنهم اعتمدوا قواعده، وساروا على طريقته في الاجتهاد، ولذلك دُوّنت آراؤهم مع آراء أبي حنيفة، وعُدّ الجميع مذهبا للحنفية، بل أحيانا تكون الفتوى عندهم على رأي أبي حنيفة، وأحيانا على رأي الصاحبين أو غيرهما، وتبدأ هذه المرحلة من وفاة الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي وتنتهي بوفاة الإمام عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي فى عام سبعمائة وعشرة من الهجرة.

وهو صاحب المتن المشهور “كنز الدقائق” وهذا يعني أن ابتداء هذه المرحلة كان من بدايات القرن الثالث الهجري، وحتى نهاية القرن السابع الهجري، وقد مثلت هذه المرحلة أزهى وأغنى المراحل التي مر بها الفقه الحنفي، من حيث التوسع والانتشار، ومن حيث توسع اجتهاداته، وتطور آرائه فقد ظهر في بداية هذه المرحلة طبقة المشايخ، أو كبار علماء المذهب، الذين بذلوا جهودا ضخمة في تحرير المذهب، وتحديد مصطلحاته، وبيان أصول الترجيح والتخريج، وكانت كتب محمد بن الحسن الشيباني أو ما اصطلح على تسميتها بكتب “ظاهر الراوية” هي الممثل الأول للمذهب، والناطق بآرائه وأقواله، وكما نشطت حركة التأليف والتدوين.

وطرقت شتى الأبواب والمسائل الفقهية، وتعرضت لبيان رأي المذهب فيما استجد من نوازل وقضايا في تلك المرحلة، فظهرت المتون أو المختصرات، كمختصر الطحاوي والكَرخي والقدوري وبداية المبتدي لبرهان الدين المرغيناني وغيرهما، كما ظهرت الشروح والمطولات كالمبسوط لشمس الأئمة السرخسي وبدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني والهداية للمرغيناني، وغيرها، كما ظهرت كتب الفتاوى والنوازل كفتاوى النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندي، وفتاوى الحسن بن علي الحلواني، وفتاوى الصدر الشهيد، وفتاوى قاضيخان وغير ذلك كثير من المصنفات والمدونات التي تعد ثروة علمية ضخمة من التراث الحنفي، خلفتها لنا تلك المرحلة النشطة من تاريخ المذهب الحنفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى